غادر ذلك الجميل الذي كان يرسم الوردة على الماء ولا تتبعثر، ذلك النجم الرائع حين هطل المطر المدرار أهداكِ مظلته، وتبلل في الهطول الكثيف، كان قلبه يشع، يلمع كالذهب، صافياً وناصعاً كالألماس، مرّ، مرَّ كريح باردة في صيفكِ الأبدي.
مرَّ، وأمنيات محبتكِ وضعها في شريط الأحلام، عَلَّ يوماً ما يأتي وتتنفس رائحة كلمة مغسولة بالحب.. سنين طويلة، كان يحمل الألم وآثاره، يسير بخبل العاشق وشكه، تردده وخوفه، اشتياقه الشاسع، خذلانه وأمنياته المتتالية، كان يهيم بنجمة الصباح والشروق، يرى في الصبح حضوركِ، ويشم عطرك قادماً من الأزمان كلها، وفي لحظة الشفق يغسل عيونه ويظن حباً عظيماً له.
ذلك الفارس في الوهم، السابح في الخيال الأبدي، الصاعد عالياً حتى دمعت عين الغيوم من لحن روحه الهائم في فضاء الكون.
ذلك الجميل كان قرب وجهك وعيونك، بنبضات قلبه المتسارعة متجاوزة قفصه الصدري وهي محقونة بالولع والشوق والأمل والأماني، بالرغبة المخنوقة في التنفس، بجنون الرقص العالي، كان أمام وجهك الخالي من التعابير وعيونك التي لا ترى سيلان الدم، تهشم الأشواق وارتداد النفس في الرئة المرتبكة ورجل الراقص التي تنكسر أمام حضور جسدك الجامد.
الجبال حين نظر إليها أدركت انسيابه وعشقه الخارق لروحك، لذا بكت الجبال، وضعت دمعة في كفه، وأسدلت الحزن على بقايا ذهابه المكسور بلا بشرى.. البحر أيضاً كان يعرفه، يعرف ذالك الصبي الذي مرَّ بعيدا عن شاطئ الحزن، إلا إنه بعد عمر طويل رأى الصبي الذي تجاوز الزمن، مكسوراً في أعماقه ولم يبق من فرح طفولته إلا زبد أمام روحه التي هشمت في الحب.
غادر ذلك الحالم بأرض يتوّجك فيها ملكة على تفاصيل الجسد، ويضع في يديك مفتاح الروح.. غادر كنجم أزلي عليه أن يختفي أو يموت في منطوق الزمن.. غادر بلا قدرة أن يكون جديدا أو طيبا، يزرع الورد في بستان روحك.. غادر كانكسار قلب العاشق..غادر مبعثراً كل الكلام، كل الحب.. غادر في خطوط الانقراض الأبدي للأشياء، للكائنات، للأرواح، غادر ولم يعد متحققا.. لقد تناثر كالرماد.