في هدوء المساء، كنت أسير في حديقة البيت، فرأيت سحلية على الجدار تقلب رأسها حذراً. فابتسمت وقلت لها: لا تخافي. فنظرت إلي وهدأت وزحفت إلى اتجاه آخر. فجأة استيقظت ذاكرة الصبا عندما كانوا يعلموننا في المدرسة عن الفرق بين كائنات الطبيعة ذات الدم البارد والدم الحار. وكانت السحلية هي المثال لذوات البارد. وفي يوم ما دفعني هذا التفريق إلى تجربة طريفة. أمسكت بسحلية وشرحتها، لأعرف معنى الدم البارد، وحين لمست دمها لم أشعر بالبرودة! وتذكرت أن والدتي (رحمها الله) كانت إذا رأت سحلية أو ما نسميها باللهجة العامية (طيطار) فوق الجدار تصرخ فيّ أن اقتلها. وعندما سألتها: لماذا؟ قالت: بس لا اسكتي.. الطيطار يلدغ ويسمم الأكل. قلت لها: هل تتذكرين أحداً مات بسبب لدغة الطيطار؟! نفضت يدها بانزعاج وقالت: سيري لا، أنت دائماً تفكرين في كل شيء!
وفي يوم ما كنت أسقي نباتات الحديقة، فرأيت «طيطاراً» على الجدار قريباً من حوض النباتات، يزحف ويمد رقبته ليلتقط النمل الأسود الذي خرج من التربة ويبتلعه. وهذا النوع من النمل يعتبر من الأنواع السامة. توقفت أتأمل هذا المشهد بدهشة وترحيب. ومنعت بعدها كل من في البيت من قتل الطيطار في أي مكان يكون. لأني أدركت فائدته للبيت وللنباتات. وفي يوم ما، كنت أوشك أن أخرج من الحمام، فرأيت الطيطار على الجدار يصارع صرصوراً ليقبض عليه. كان حجم الصرصور أكبر من حجم فمه، لكنه بعد صراع ومقاومة من الصرصور قبض عليه وابتلعه.
وفي يوم آخر رأيت سرباً من السحالي يحوم حول مصباح الكهرباء المثبت على الجدار الخارجي لغرفة المكتبة ليضيء الحديقة. كانت السحالي تتوزع حول المصباح في مشهد منظم عجيب، لتلتقط حشرات البعوض التي كانت تحوم حول المصباح. فمن طبيعة البعوض أنه ينجذب نحو الإضاءة.
وفي يوم ما رأيت العاملة التي تنظف البيت تحمل في يدها المكنسة وتخبط بها، فاقتربت منها وسألتها ماذا تفعلين؟ قالت أريد أن أقتل هذه السحلية. نظرت بالاتجاه الذي أشارت إليه ورأيت سحلية صغيرة كطفلة تركض هرباً. اقتربت من السحلية، وقلت لها: لا تخافي.
توقفت وأدارت رأسها نحوي، فاقتربت منها ومددت لها أصبعي. وبهدوء وطمأنينة تسلقت أصبعي، فذهبت بها إلى الحديقة. وبدأت أفكر وأتساءل، لماذا لم تخف السحلية مني؟! ولماذا تسلقت أصبعي بهدوء واطمئنان!؟ أدركت لحظتها أن كل كائن في الطبيعة يلتقط الطاقة الإيجابية أو السلبية من الكائن الآخر، فيتخذ موقفه منه، بالعدائية والدفاع عن وجوده أو بالطمأنينة والاستسلام!