الثورة الرقمية تصحح ذاتها، وتواجه أخطاء وثغرات مفتوحة على الشكوك والأسئلة في السنوات الأخيرة، ليس أقلها احتكار طبقة كثيفة وواسعة من المعلومات والأفكار، واستثمارها سياسياً واقتصادياً، وتالياً تسهيل إدارة الاعتقاد لدى مليارات البشر، فالشركات التكنولوجية العملاقة، مثل «غوغل»، و«أمازون»، و«فيسبوك»، و«أبل»، تحولت إلى أقطاب مؤثرة في سياسات الدول، وأحياناً في مصيرها.
وسائل التواصل الاجتماعي، أبرز تجليات الثورة الرقمية، تحاول الآن ترتيب كثير من الفوضى التي انتشرت على منصاتها، خصوصاً ما يتعلق منها بالأخبار، وهي تحظى بسمعة سيئة في هذا السياق، تتصل بالصدقية التي لا يمكن التحكم فيها وضبطها، مع وجود ملايين المستخدمين المزودين للمحتوى، دون تدقيق، ودون إخضاع الأخبار والمعلومات إلى معايير مهنية، كما تفعل وسائل الإعلام التقليدية.
«فيسبوك نيوز» خدمة جديدة، أطلقها أكثر مواقع التواصل الاجتماعي شعبيةً في العالم، لإضفاء مصداقية على المحتوى الإخباري، بعيداً عن ما يدرجه أو يخترعه أو يزيفه المستخدمون، فالمحاولة تمثل ارتداداً للقواعد والأصول في النشر، بالعودة إلى محطات إعلام احترافية، تزيد على 200 محطة، ستكون شريكةً لـ«فيسبوك» في التزويد بالأخبار، بينها «واشنطن بوست» و«سي بي أس» و«اي بي سي»، وسيكون على «فريق مستقل» أن يختار من المحتوى العام لها، وسيركز على «الرياضة والترفيه والصحة والاقتصاد».
«فيسبوك نيوز» لن تؤثر على التغذية الهائلة من قبل المستخدمين، ولكنها تستخدم خوارزميات اهتماماتهم في التعرض الإخباري، ويضيف هذا الاتجاه في الصحافة الجديدة بعداً مهنياً حصيفاً في إنتاج المحتوى، وتساعده على الانتشار والتفاعل منصتا «واتساب» و«انستغرام» المملوكتان لـ«فيسبوك»، ما يعني أننا نتحدث عن أكثر من أربعة مليارات مستخدم، يعبرون إلى المعرفة والترفيه يومياً من خلال هذه البوابات.
التقنية تصحح مسارها، وتواجه مقولة «كلام سوشال ميديا» التي لم تعمّر طويلاً، مثل مقولة «كلام جرايد»، وعلى المؤسسات الإعلامية التقليدية في كثير من البلدان، لاسيما العربية، أن تتعلم من هذا الدرس، وتتوقف عن ترددها وريبتها وخوفها من مفاعيل الثورة التكنولوجية، بالاشتباك الإيجابي مع خصائصها ومميزاتها واستثمارها بأقصى قدر ممكن من الفائدة، فنحن نتبع القارئ دائماً، ومن الإنكار أن نتجاهل حركة التصفح والمشاهدة الهائلة في «فيسبوك» و«تويتر»، وغيرهما.
العوائد التجارية من «فيسبوك نيوز» تستثمر في كنز مؤكد، يوفره مليارات الناس المحدقين في هواتفهم على مدار الساعة، ولن نبقى نتحدث كثيراً في أكلاف الطباعة والتوزيع للصحف والمجلات، وتراجع الإعلانات التجارية في التلفزيون، فيما نستطيع الآن أن ننظر إلى اتساع الفرص، بفضل ثورة المعلومات في العالم الجديد.
أيّة أخبار ستبيعها لنا «فيسبوك نيوز» ومنافسوها المقبلون؟ وهل سنخضع لاجتياح إعلامي، بأهداف سياسية، أكثر خطورة مما مضى؟ هذه الأسئلة وغيرها، يجب أن تحفزنا نحو صناعة إخبارية مختلفة عن ما سبق شكلاً ومضموناً، حتى نكون مؤهلين ومستعدين، والأهم أن نكون مساهمين فاعلين في أخبار المستقبل.