مع نهاية الأسبوع المنصرم، سجلت أسعار النفط أفضل مستوياتها خلال العامين الأخيرين، وتجاوز سعر برميل برنت مستوى الستين دولاراً، وهو ما يحمل دلالات كثيرة حول واقع الحال في أسواق النفط، والعوامل التي أسهمت في تعافيها بعد الهبوط العنيف الذي شهدته خلال العام الماضي. فبالرغم من وجود عوامل متداخلة أسهمت في هذا التحسن، مثل تراجع سعر صرف الدولار، واستمرار انخفاض الإنتاج الأميركي عقب الكوارث الطبيعية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال الأشهر الماضية، عن مستويات الإنتاج السابقة، وتحسن الطلب العالمي مع اقتراب موسم الشتاء وغيرها من العوامل، يظل العامل الأكبر هو الإرادة التي يتمتع بها المنتجون الأساسيون والإيمان بضرورة العمل الجماعي للمحافظة على توازن الأسواق وتحقيق مصلحة الجميع. منظمة الدول المنتجة للنفط «أوبك» فرضت نفسها كلاعب لا يستهان به في إنهاء تلك الأزمة والخروج من دوامة انزلاق الأسعار، ورغم الأصوات التي تعالت في أوقات سابقة والتي شككت في هذه المنظمة وقدرتها على التعامل مع المتغيرات «غير التقليدية» في أسواق النفط، أثبتت «أوبك» من جديد قدرتها على انتشال الأسواق في الأزمات وفق مبادئ رئيسة تقوم على أساس العمل الجماعي وتحقيق مصالح جميع المنتجين، وليس مصالح منتج دون غيره. التقارب الذي كان في مواقف المملكة العربية السعودية العضو الرئيس في «أوبك» وأهم المنتجين العالميين، وروسيا خلال الفترة الماضية، كان له انعكاس مهم على السوق، خصوصاً في ظل المؤشرات الواضحة على الرغبة في تمديد اتفاق خفض الإنتاج لفترات قادمة، وهو ما من شأنه أن يقدم المزيد من الدعم للنفط، بغض النظر عن حدوث ارتفاعات أو انخفاضات معقولة في الأسعار بين الحين والآخر، لكن الدور المحوري لهذه المنظمة كان حاضراً بقوة في معالجة الأزمة. دولة الإمارات العربية المتحدة، كان لها دورها المهم كذلك في تنفيذ الاتفاق على خفض الإنتاج واستعادة توازن السوق، وأظهرت بيانات الإنتاج مدى الجدية في التعامل مع هذه الأزمة، وكل ذلك يؤكد أهمية العمل الجماعي للمنتجين، ويبقى الأهم في المرحلة المقبلة هو جدية المنتجين المستقلين من خارج «أوبك» في التعامل مع السوق بحساسياته المختلفة، ومدى إيمانهم بضرورة العمل الجماعي بدلاً من البحث عن زيادة حصصهم على حساب الآخرين. الأحداث السياسية والأمنية العديدة التي شهدتها المنطقة والعالم خلال الأعوام القليلة الماضية، تؤكد تعاظم دور «أوبك» الاستراتيجي في التعامل مع المتغيرات المختلفة، وكذلك في التعامل مع المنتجين المستقلين، وبغض النظر عما إذا كان التحسن الأخير سيستمر أم سيكون هناك تراجع محدود في الأسعار، فإن الأهم هو استمرار التنسيق والتعاون بين المنتجين. وفي كل الأحوال يبقى العنوان الأبرز لأزمة النفط الأخيرة هو أن «أوبك» نجحت في الاختبار الصعب.. وكان الرابح الأكبر هو «النفط».