عندما يطل بحضوره الطاغي والطامي على كل مشاغلك وظروفك، عندما يأتي بجماله وروعته ونوره المشع مثل ضوء قمر منير، عندما تأخذك الخطوات وسواك نحو ساحته وميدانه البهي، وعندما تجده قد طوى السنين حاملاً مشعل النور والأنوار، الثقافة، المعرفة والفن.
تسير في فضاء ذلك المكان وكأنك تهبط فوق كوكب ونجم سرى منذ زمن طويل باعثاً في قلبك وعقلك وفكرك كل شيء جميل، الآن تتذكر إطلالته الأولى على ساحة شبه جرداء من مساحته وفضاء يمكن أن يصنع شيئاً جديداً فكراً جديداً وثقافة جديدة.
لم تكن متاحة تلك المسافة من هذا النوع في أزمنة غابرة، كان يقف الناطور والبواب والحارس ليفتش كتابك صفحة صفحة، ثم يؤول كل شيء مخالف لذلك الزمن لك وأصحابك وليس لصاحب الفكرة أو كتاب.
مضت تلك الصور التي تحضرني الآن، بعد أن رحل أو تعب الحارس من تصفح كل شيء. أصبح عدد الأوراق كثيراً والأفكار منيرة وعديدة ولم يعد بإمكان الزمن أن يتوقف عند باب أو بوابة الحارس والناطور، وكأن الشمس نزلت قليلاً نحو الأرض وطردت كل السحب والضباب الذي يلف الساحل!!..
دورة كبيرة وقفزة كبيرة، جاءت بعد أعوام ليصبح الكتاب والجريدة والطباعة هي التي تقود الفكرة والثقافة والمعرفة، وبعد أن رسخت تلك الأدوات مكانها وأصبحت أكثر تأثيراً من مذياع لا يقدم سوى الأخبار لمن حضر أو غادر أو رحل أو أقام أعراساً أو مهرجاناً خاصاً جداً، هبت على الساحل رياح الروايح والسهيلي ورياح الشمال والغريبي، فإذا بالسماء تمطر خيراً وعطاءً وإذا بالأرض تنبت أشجاراً، وتخضر المرابع وتشمخ الجبال. جاءت عناصر وأفراد وشخصيات تؤمن بالعلم والثقافة والمعرفة والفن، ظهر عشاق الحرف والكتابة ومؤسسو الفكر المنير والنير أين ما وجدت له مساحة أو فرصة أو مكان ينشر عطر أفكاره، من تلك الرؤية والرؤيا، جاءت فكرة أن الكتاب عظيم وأن الحرف والكلمة والقلم هي الأدوات الأهم في عالم الإنسان ومستقبل الأوطان. كبرت الفكرة وعظم العمل بأول معرض يولد هنا ليمضي بالحياة الثقافية والفكرية إلى البعيد، لم تكن تلك الفكرة، معرض الكتاب هي خاطرة مرت مرور السحب المرتحلة، ولكنها جاءت عن قناعة وتفكير بعيد نحو العلم وبخلق أجيال تقرأ وتعشق الكتاب والحرف.
أن تكتب وتقرأ يعني أن تفكر بعمق وأن ترنو بعيداً نحو مجتمع واع ومثقف، مدرك ما عليه من واجبات وما له من حقوق، مساهماً في خدمة وطنه وحراسته وحمايته، من أي مكروه، عارف بمحيطك مؤدياً واجباتك نحو المجتمع، هكذا جاءت الفكرة وترسخت، وهكذا أصبحت مساحة الكتاب مكانة، وساحته ملتقى لكل شيء بديع وجميل من الفكر إلى الفن والثقافة والعلم، معرض الكتاب مساحة ملتقى للجديد.