طوال عملي، والذي من المفترض أنه طاف بي مدارات شتى وفتح أمامي نوافذ عديدة، لم أجد وطناً يحتفي بماضيه - ما فيه ومن فيه- مثلما نفعل نحن.. الأمر لدينا ليس خطة ننفذها ولا هدفاً نسعى إليه أو جائزة نتطلع إليها، لكنه أعمق وأكبر وأروع من ذلك.. نحن نأنس بماضينا.. نصر أن يرافقنا.. نفرح ونختال به، نلبسه صوت الحاضر البهي، ونخطو به ومعه صوب مستقبل، سيصبح هو الآخر من الماضي، ونبدو في رحلتنا وكأن الأيام ذاتها تحتفي بنا، ولِم لا ونحن نحتفي بها.
أمس الأول، استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، اللجنة العليا المنظمة والفائزين في سباق مهرجان دلما الثالث للمحامل الشراعية فئة 60 قدماً، وخلال الاستقبال، اختزل سموه كل المعاني في مقولته الآسرة الرائعة: «التراث ذاكرة الوطن»، مؤكداً أن المحافظة عليه مهمة دولة، ترى في المحافظة على التراث وتوريثه للأجيال القادمة جزءاً مهماً من رؤيتها وأحد أهدافها الاستراتيجية لتعزيز ارتباط الأجيال الناشئة بتراثها، الحاضن الأساسي لهويتها.
لقد كنت حاضراً في ملحمة سباق دلما الثالث الذي أقيم برعاية كريمة وسخية من سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، والذي نظمه نادي أبوظبي للرياضات الشراعية واليخوت، بالتعاون مع لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية في أبوظبي، ومجلس أبوظبي الرياضي.. في السباق رأيت كيف تتجسد الأحلام واقعاً.. كيف تقفز من الورق ومن الخطط إلى عرض البحر، تتباهى بأكثر من ثلاثة آلاف بحار ونوخذة رسموا على صفحة الماء أروع قصة للوفاء من وطننا لماضيه.
ما تحقق في السباق التاريخي، لم يكن بسبب الملايين الخمسة والعشرين التي تم رصدها للفائزين، وإنما لأن الذاكرة لها حراس أمناء، يعملون على حفظها وصونها.. يستدعون من الماضي كل التفاصيل الأثيرة، لتبقى حاضرة على الدوام.. هنا ستجد سباقات الخيل والصيد بالصقور وسباقات الهجن والقوارب الشراعية بأشكالها وأنماطها، وغيرها من صور الماضي التي تزداد ألقاً وحضوراً مع الأيام.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حارس أمين ووفي لذاكرة وحاضر ومستقبل الوطن.. كثيراً ما أتساءل: كيف يرى سموه الرياضة، ولدى سموه ما لديه؟.. وفي لمح البصر تأتي الإجابة: ذاك قدَر من وهبوا حياتهم وقلوبهم لأوطانهم.. ذاك شأن الأوفياء في وطن وُجْهَتُهُ السماء.

*كلمة أخيرة:
الماضي لا يسقط من ذاكرة شعب ربَّاه زايد.. كيف ننسى ماضياً فيه زايد