كتاب معالي الأديب محمد المر «أُم كلثوم في أبوظبي» نبش الشوق الذي نتحدث عنه قليلاً ونكتمه خوفاً منه خروجه بلا رخصة أو قيود، فإن خرج كذلك فهو قد يعود إلينا ولكن بصفة الآخر أو بمواصفاتٍ مختلفة. ويذكرنا بسيدة الغناء العربي والمواقف التاريخية والشجن الذي لا يفارق مخيلتنا. ففي حفلها الأول في أبوظبي الذي كان في الثامن والعشرين من نوفمبر 1971، تغنت «الست» بقصيدة من إبداع الشاعر السوداني المرهف «الهادي آدم» وألحان الموسيقار العريق محمد عبدالوهاب، ويذكرنا الشوق هنا بسالفة القصيدة التي أسماها مؤلفها في ديوانه «كوخ الأشواق» بقصيدة «الغد» ولكن كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي حولت اسمها إلى «أغداً ألقاك»، وضخت تلك التسمية دماء لا يستهان بها في شرايين العشاق والمتلهفين، فاختيار «الست» هذه الأبيات لم يكن عبطاً بل قصداً، فقد اختارتها بحكمة وحنكة وغنتها للجمهور السوداني في عام 1968، ثم في دار الأوبرا المصرية عام 1971، وغنتها لجمهور عاصمتنا الغالية في احتفالية عيد الجلوس الخامس للأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
وهذا هو الشوق بعينه عندما رفعنا علم دولة الإمارات العربية المتحدة في يوم العلم الأسبوع الفائت واستذكرنا وقفة أُم كلثوم في قصر المنهل عندما رفرف علم الدولة في سماء عاصمة التسامح لأول مرة، فقالت: «عقبال ما نرفع علم الوحدة العربية الكبرى» وبعد ميلاد الأمة في الثاني من ديسمبر 1971 وفي عاصمة المحبة والسلام تأسس في عام 1985 مجلس التعاون لدول الخليج العربية وسارت مسيرة الخير والعطاء بعيداً عن ما يعكر صفوها. هذا هو الشوق الذي نعرفه شوقٌ يرتقي بالإنسان ويعزز قيمة الفن والفنانين ويصنع جسوراً تقلص الفجوات والتحديات وتكون نموذجاً إيجابياً وقدوة للآخرين.
الشوق هو الذي هز ذلك الغصن الذي تاح الأوراق، فأردفته فتاة العرب - الله يرحمها- بأبياتٍ «كل اغرضٍ م الوقت ملحوق إلا وصول الصاحب أشفاق» وهو ما تغنى الشاعر الإماراتي «الرهيب» سيف الخالدي عندما قال: «ياطيب القلب وينك وياشوق عيني لعينه» وكأن النظر وحده كافٍ لإخماد نار الشوق. وكما نرى الحب والشوق في كتاب أديبنا الموقر نحن نسمعه ونلمسه ونقرؤه في تاريخ وحضارة وثقافة الإمارات، وطنٌ لا يعرف إلا الحب والخير في كل ظرف زمانٍ ومكان.
للعارفين أقول، كتبت لشخصٍ عظيم المقام في قلبي رسالة نصية «أغصان الشوق والشجن لكم تشابكت وتشربكت شرات ماتتشربك الكشة».. فكان الرد أشد من اللقاء.