التوبيخ لا يصنع كائناً سوياً. التوبيخ مثل الحرث في الأرض اليباب، التوبيخ مثل الصيد في بحر متلاطم الأمواج.
عندما توبخ طفلاً ارتكب خطأ ما، وتنظر إليه بعين الشر، يخال إليه أنك تفعل ذلك لأنك لا تحبه، وأنك تنهره لأنه الطرف الأضعف في محيط الأسرة. الزجر مثل العاصفة في زوايا خيمة واهنة. الزعيق يوقظ في نفس الطفل وحشاً صغيراً، هذا الوحش ينمو بتراكم الصرخات المدوية في أعماقه.
تخيل أن طفلك كسر طبقاً زجاجياً ثميناً، وقمت بتأديبه بأسلوب حانق، وبطريقة عصبية، ووجدت أنه ارتكب خطأ جسيماً، يستحق على أثره العقاب الشديد، الأمر الذي يجعلك لا تتوانى عن فعل كل ما يردعه في المرات القادمة عن تكرار مثل هذا الفعل (الشنيع).
في الحقيقة لا بد أن نشعر في أحيان كثيرة أن أطفالنا يتصرفون بهمجية، وأنهم يقلقوننا كثيراً، علينا أيضاً أن نعي أن هذا الطفل كائن لم تكتمل لديه ثقافة المحافظة على الممتلكات، وأنه لم يزل في مرحلة العفوية وفطرة البدايات. علينا أن نفكر في بدائية الفكرة لدى الطفل قبل أن نفكر في الخسارات التي نتكبدها جراء العبثية التي يمارسها في البيت.
علينا ألا ننسى أنه لا يفعل ذلك من أجل التخريب أو التسلية على حسابنا، بل هو يفعل ذلك لأن حاسة الاكتشاف لديه نشطة، وأن سعيه لمعرفة أسرار العالم هو الذي يدفعه لأن يجرب ما يتوافر بين يديه، فيقوم بكسر هذا الطبق أو تفكيك تلك اللعبة، فهذه هي وسيلته البدائية في طلب المعرفة والسعي إلى التقرب من الأشياء المجهولة لديه. لا شك أن شيئاً من العدوانية موجود لدى كل طفل، لأنه كائن غريزي، وأنه لم يعقل تلك الرغبات الداخلية بعد، كما أن العدوانية في حد ذاتها أمر محمود، ومطلوبة في فترة من فترات عمر الطفل، لأنها الوسيلة الوحيدة التي تساعده على تكوين الشخصية الاعتبارية التي تحفظ له توازنه النفسي وتحميه من عدوان الظروف المحيطة به. إذاً فلجم هذه النزعات، بقوة مضاعفة وغير مبررة، يحدث في أعماق النفس التي لا تزال هشة، شرخاً واسعاً، ويكبح جماح الروح الساعية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مواجهة الصعاب.
القمع في الطفولة، يصنع، كائناً مضعضعاً، وضعيفاً، ومتهالكاً، ومنكفئاً، ومحبطاً، وقانطاً، وناقماً، وحاقداً، وسلبياً تجاه الأسرة، ومن ثم تجاه المجتمع.