هي فكرة واحدة، صنعت كل هذا الفرق لدى الأجيال العربية المتجهة إلى المستقبل، بكل غموضه وأسئلته وتحدياته، حملها مشروع ملهم، والتف حولها ملايين الطلبة على مقاعد الدرس، حتى باتت حدثاً عربياً منتظراً في كل عام.
الفكرة ابتكار إماراتي، لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أما المشروع، فهو «تحدي القراءة العربي»، أكثر الحلول ذكاء وواقعية لغرس شغف القراءة لدى الناشئة، وتوسيع مداركهم المعرفية، وإنضاج وعيهم النقدي.
لقد جربنا كثيراً من الحلول على المستوى العربي، لإعادة الناشئة إلى القراءة والكتاب، قبل أن تندلع الثورة الرقمية، وأصبنا بعض النجاح في هذه الدولة، أو تلك، وكانت الإمارات من أوائل البلدان العربية في هذا المجال، وبإرادة زايد الباني، رحمه الله، أطلقنا في العام 1979 مجلة «ماجد» للطفل العربي، التي شكلت على مدى العقود الماضية أبرز المشاريع الثقافية العربية، ونجحت في إنتاج أجيال من الكتّاب والرسامين.
لكننا لم نشهد أثراً مباشراً ومبشّراً لمشروع متكامل لبناء الشخصية العربية، قبل إطلاق «تحدي القراءة» في العام 2015، وها نحن نلمس بوضوح عمق تأثيره بعد سنوات قليلة، مع ارتفاع أرقام الطلبة المستعدين لخوض تحد آخر، ومع نضوج التجربة واستهدافها الناطقين باللغة العربية، بصرف النظر عن بلدانهم وجنسياتهم، مضافاً إلى ذلك هذه الحماسة بالقراءة، والزهو بأعداد الكتب المقروءة.
أي أثر أجمل من أن تعتلي منصة دار الأوبرا في دبي طالبة من السودان الشقيق، وتجيب بلغة عربية فصيحة على أسئلة لجان التحكيم، وبسياق تعبيري متمكن ومتماسك، أثار اهتمام الحضور، وقد فازت بـ«تحدي القراءة العربي 2019».
لا أثر أكثر إلهاماً وعمقاً من أن تقرأ البطلة السودانية هديل أنور 500 كتاب، وتتحدى ذاتها في الاستفادة من كل دقيقة من وقتها، لتنجز قراءة ما يفوق أضعاف العدد المطلوب من الكتب لهذا التحدي العربي الكبير. فهذه وحدها قصة تُروى، لكسر الصورة النمطية عن «أمة لا تقرأ»، وعن أجيال، لا تزال ترى في الكتاب طريقاً أساسياً للمعرفة، ولتغيير واقع المجتمعات، واستشراف مستقبلها.
السودان يفوز، بفضل هديل أنور في 2019، والمغرب فازت بمريم امجون العام الماضي، وقبلهما الفلسطينية عفاف رائد في نسخة 2017، والمشروع يستقطب ملايين إضافية من الطلبة في الوطن العربي وخارجه، ونجاحه مطرد في كل عام، واللافت أن هذا هو التنافس العربي المعرفي الأول، والفوز به يبعث زهواً وطنياً بالبطولة. تقول هديل أنور: «أشعر أنني أحمل آمال شعب كامل على كتفي».
هي فكرة واحدة، كانت كفيلة بكل هذه النتائج المبهرة لمشروع نهضوي كبير، يؤكد أننا قادرون على استئناف حضارة، وحلم.