خفت الصوت الذي كان يطالب بتفريغ الكتّاب والأدباء، لتحقيق إنجازاتهم الأدبية، وذلك بعد أن تجسدت الرؤى وتوافقت على منح تلك الإجازات، وحسب ما تداول، فقد استفادت بعض الجهات الرياضية من هذا الإجراء، وكالعادة لم تتفق الجهات الثقافية المعنية على تشكيل رؤية حول هذا الأمر الجاد والمهم، باعتبار أن الإبداع الأدبي أحوج ما يكون لهذه المبادرة.
فلا يضير قياساً على ذلك أن تضع المؤسسات الثقافية الشروط والأسس، وأن تلزم المستفيد بفترة زمنية لإنجاز عمله، ومن ثم طرح الأعمال الأدبية للتقييم خلال فترات تلائم الطرفين. وسيعتبر هذا الإجراء قفزة مهمة لتحفيز الكتّاب على الإنتاج. وكذلك يعتبر إضافة عملية لتفعيل الترجمة وطباعة الأعمال بلغات مختلفة، وبهذا تسهم الوزارات والمؤسسات بدور إيجابي وصريح في العملية الثقافية. ولن يضيرها تلك الدوائر الحكومية لو منحت الكاتب الذي يعمل بها سنوات طوالاً، إجازات مماثلة لاستكمال عمله الأدبي، وربما إرساله في بعثات خارجية تفيد إبداعه. وهذه الرعاية التي يسعى الكتّاب لنيلها، سبقهم إليها كثير من الفنانين المشهورين.
ولا شك بأن الرعاية التي توفرها الدوائر والمؤسسات للمبدعين من منسوبيها، سيعود عليها بالنفع، وستعتبر هذه الإشراقة رسالة ثقافية، وبها نجسد حضارتنا في فضاء الحياة، وسيعد المشروع من أبجدية تكويننا، كما سيكون دافعاً رمزياً لاستعادة سحر الكتابة الحقيقية.
وهذا يتواكب مع حضارتنا، ومع تطلعات دولتنا التي تؤمن بالجديد، وترى بعين المستقبل. فمن خلال مهماتنا الثقافية الخارجية صادفنا الكثير من الشخصيات من رواد العلم ومن مختلف الجنسيات الذين يعيشون تحت كنف ورعاية دولتنا. هذه هي الحضارة بعينها حين تترفع الدول عن الهزيل من المستويات وتكسب رهان العلم والإبداع، ولعل الثقافة من أجمل ما يراهن عليها، وكذلك سائر الفنون، ولعلها تضاف إلى المكتسبات الثقافية التي شغلت الدنيا بأهميتها ومكانتها في وطننا.
فنحن في زمن يحتم علينا الرقي بثقافتنا وزرع القيم المتوارثة في مسارات الحياة الصحيحة، وترجمة كل ما لدينا من أعمال أدبية مهمة، وثقافتنا هي هويتنا الحقيقية، فلا يعقل أن يتكبّد الكاتب أو الأديب كل هذا العناء، بل ويقدر ويكرم من قبل دول أخرى.. إن هذه المبادرة هي التكريم الحقيقي لثقافتنا، فحينما تظل الجهات الثقافية بعيدة عن الدعم، تكون بعيدة عن الفعل الحقيقي.