زفّت إليّ خبراً بأنها وجدت فرصة العمل الذي تأخر كثيراً، حتى كادت أن تعود إلى بلدها، قالت: ولكن على كل حال أتوقع أن تكون فرصة جديدة في مجال جديد. قلت ماذا أجمل من أن يعمل الإنسان بائع ورد ومنسق زهور، أظنها فرصة جميلة في عمل سهل وجميل ومفرح.
ردّت بأن هذا العمل أيضاً يحتاج إلى التعلم والتدريب والإبداع، أن تعرف أنواع النباتات والبذور والأزهار، وأن تحفظ أسماء الورود، وتعرف المواسم والفصول، وأن تتعلم طريقة الريّ والتقليم، وأنواع التربة والأدوية الخاصة بالنباتات، بالإضافة إلى أن تعرف فن اختيار الأصص الخاصة بالزراعة، وأن تكون لديك خبرة كافية بالطقس وتأثير الحرارة والرطوبة، وما هي الأزهار التي تناسب كل مناسبة، سواء كانت عيد ميلاد، أو زواج، أو فرح أو حتى احتفاليات مختلفة، وأن تعرف المناسبات غير السعيدة في المستشفيات أو الحالات الحزينة، كالوفاة.. وأن تكون لديك فكرة أيضاً عن المساكن والقصور والفنادق، وما يناسب كل واحدة من هذه الأماكن، أن تعرف النباتات والشجيرات التي تناسب المداخل والممرات والزوايا، نعم أن تكون فناناً بتخصصك.. قلت لها: كل هذا؟ وكنت أظن بطبيعتي الصحراوية أن الزراعة والأشجار هي شغلة (بيادير)، مزارع أو عامل يعرف اقتلاع النخلة أو السدرة أو الجزة أو الوزة من جذورها وغرسه في مكان آخر، فقط يحتاج لـ(أعترلة) فاس أو شيول وحفرة مناسبة ودلو ماء، الزراعة بالنسبة لي أياد خشنة مليئة بغرزات الشوك وطعناته المختلفة في الكف أو الذراع وقوة ذراع أو يد تعرف ما تصنع.
بعد مدة قصيرة تحوّل الركن الذي يحتله محل بيع الورود، إلى زاوية الحب والجمال، يتقاطر إليها زرافات من الفتيات والشباب وأصحاب الأفراح والأعراس. اتسع المحل ليخصص زاوية أخرى لبيع الهدايا وبطاقات المعايدة، والتحف الصغيرة، ولم تمض سنة أخرى إلا وقد تحول المحل المجاور إلى معرض فني يعرض أجمل اللوحات.
كانت بائعة الورد هي المبدع والمفكر لهذه الزوايا الرائعة. الآن تزهو وتشرق بالفرح والجمال، مثل أزهارها والورد البديع الذي تعرضه وتنسّقه ويأخذ عقول الناظرين.
المرأة وردة وزهرة عندما تتلبس لون وعطر وطبيعة الورد، بالتأكيد أن هذا ليس عند كل النساء أو هذا نادر وصعب الوجود، ولكنه أيضاً يصبح حاضراً عندما تتحول المرأة إلى وردة، وتؤمن بأنها كذلك فعلاً، وأنها قادرة على نشر العطر.