ظمآى أنا كنتُ، إلى حنان قطراتك وهي ترشني بالدهشة والفرح، وتروي عطش الروح إلى حضن الطبيعة التي لا ترويها مياه الصنابير التي أجهل مصدرها، ومنابعها. فحين نشرب مياه الصنابير ينبغي علينا أن نشتري جهاز تصفية يعمل بالكهرباء. أو نشتري زجاجات المياه التي انتشرت مصانعها وغطت الأسواق. رغم أن مياه الزجاجات هذه لم ترق إلى صفاء مائك أيها المطر الذي تهطل من كرم البحار ونشيجها، حين تقسو حرارة الشمس وتحيل بخارها إلى سحب ترشنا بفيض كرمها.
ظمآى كانت نباتاتي وأشجاري إلى رأفتك وخصوبة وعدك. وحين هطلت عليها راحت الأغصان تتمايل فرحاً والياسمين والفل والورد يرش عطره في أرجاء البيت ترحيباً، بعد أن اغتسل بفيض قطراتك. وها هي الصحراء التي كانت كسراب الأماني سترقص جذلى برحمة هطولك. ونباتاتها التي ماتت جذورها من قسوة غيابك، سوف تستيقظ وتشرأب غصونها وتزهر، وتطرز رمالها بالغاف والصفصاف والعشرج والحنظل والرمث والرمرام. وسوف ينبت الحميض الذي كنا نجمعه من بين التلال ونمضغه لطيب مذاقه وطبيعة تأثيره في صحة البدن. واليوم نشتريه مزروعاً في البيوت البلاستيكية التي أصبحت بديلاً عن خصوبة الطبيعة وثراء المطر. وسوف تزهر الجعدة التي كانت جدتي، رحمها الله، تخبئها في مخدتها لطيب رائحتها. وسوف تستعيد الذاكرة الحكايات التي كانت أمي ترويها لي منذ طفولتي وصباي. عن موسم التصييف بين طرقات الإمارات ووديانها وصحاريها سيراً على الجمال. وفي مسيرتهم كانوا يستظلون تحت أشجار الغاف حين تشتد حرارة الشمس.
سأدون تلك الحكايات يوماً ما أيها المطر، لينهض التراث من تراب النسيان. فإذا استمررت في هطولك الكريم أيها المطر ستحول الصحراء إلى غابة وترابها الذي أقحل في غيابك، إلى منتزه ستراودنا الرغبة دوماً لأن نرتمي في أحضانها. كما كنا نشد إلى الصحراء رحالنا منذ سنوات مضت.أين اختفيت أيها المطر الرحيم في مدارات فصول شتائنا قبل هطولك اليوم؟ ومن ارتكب هذه الخطيئة التي حولت طقسنا وطقس العالم إلى لهب مستمر لا نرى من قسوته تبدل الفصول، ولا ثراء الطبيعة وخصبها؟ نعم ندرك الأسباب التي بدلت طقس هذا الكوكب الفريد بين الكواكب. إنه التصنيع والتبضيع الذي جعل السعي إلى المادة واللهث لاكتنازها، ينتصر على ثرائك أيها المطر!