حلمت صوتك البعيد أيها الزمان أتى يهز غفوتي وكفك الحنان تمسح ظل حيرتي!
يقول ما أردت أن أقول، كل الذي تخطه السنون الآتية وترقب الرؤى طلائع الأماني والأحلام، تدخل في مدارنا، تكوّر الزمان غيمة مثقلة بالحب والسلام تسَّاقط اخضرارا تلتف كالغصون في رغائب الحقول. ناديتني وقلت لي: زماننا الذي يجيء سيكون مطراً يهطل بالعطاء، يغزل من منابع الشموس خيمة الظلال تفيء في رحابها وجوه أمسنا ويومنا الجميل. نحن الذين تنقش السنون في وجوهنا سطور الاندحار، نحن الذين لم نزل نشحذ في أرصفة الزمان كسرة من البقاء وحفنة من الأمان. نود.. ربما نود لو نقول.. لكننا نموت في جلودنا ويأكل اللسانَ خوفنا فنحمل الحياة جثة ومقبرة تسير في جنازة الفصول.
أن يسقطَ الغيومَ صوتك العميق. حرقة من الألم وجمرة تندس في النخاع كالجنون، كالمخاض في الرحم، تسحقنا إلى الفناء ويتفنا العدم، لكننا سنصير في عروق الأرض شعلة تمد ضوءها جسرا إلى الحضارة. نصير كوكباً وشمساً يرصّع الزمان فتنبت الشفاه واللسان ونملك العبارة، فحين نبدع الحياة تخط ريشة الطهارة {الحب والإنسان} يا أيها الإنسان المفعم بالأسرار، يا شبيه المحيطات التي لا تحصى. اقرأ، فكّر، جرّب، أبدع. لكن قبل هذا وهذا، احفظ هذه النصائح في شغاف الذاكرة: إذا كنت شاعرا لا تجلد الشعر بسوط التصفيق. ولا تقطف الزهرة بسحر الذهول. ولا تخنق المرأة بحرير الحب، ولا تقتلها بأفعى التجاهل. لا ترعب الوتر بقسوة العزف. لا ترمي الطفولة بسهام العنف. لا تعتقل الحب في سجون الجسد. لا تغتصب الكلام في حضور الطقوس. لا تغلق النوافذ ببرد الشتاء. لا تصم الأوطان بجريرة الخضوع. لا ترتكب إلا معصية الحرية. لا تركع إلا على أقدام الأم. لا تعترف بالصديق إلا بحاجته إليك. لا تقتل الذكاء بشفرة الغرور. لا تقس خفق قلبك واتساعه بالمساحات والأرقام. لا تدعو الخريف إلى مائدتك بذل الجائع للربيع. لا ترتق السلم برعونة السباق. لا ترتعش إلا في حضور الحبيب. لا تجفف ينابيع الحلم بمنشفة الخيبات وقسوة الواقع. لا تسر على إنسانيتك ولا تحطمها بتروس الآلة. لا تجمع الزمن في حصالة النقود. لا تقتل الآخرين بوحشية وحماقة شجاعتك. لا تهرب من الحق بأقدام الجبان. لا تسحق التأمل بأجراس الصخب. لا ترمي سحر القمر بأحجاره، ولا عرس المطر بأوحاله. لا تجعل الضجر يحفر في هدوء أعصابك. لا تضرب الجدار برأسك رفضا لمعاني النصائح! فحين تعبر حقول الشوق، ترفع للمحبة الصلاة. وحينما تفجئك سخافة الحياة ويرتمي الأنين في القرار، تلعن أن تجيء دونما إرادة!