بعضهم يقول لك ساعدني كي أصل إليك، فتشعر أن نافذة في قرص الشمس تنشق عن بهجة في الوجود، تشعر أن للقمر أنامل تمتد إلى مقلتيك، فتضيئك.
بعضهم يقول لك، افتح لي باباً في قلبك، فتشعر بأن النهار أغمض عينيه على عطر وردة واستراحت فراشة عند جدولك، وأنشدت الأشجار لحن الخلود.
بعضهم يقول لك، تعال معي لنذهب إلى واحة فيها الغزلان تتلو آيات الصباح، وتستعيذ بالله من أنياب الضواري ثم ترتل رشفاتها عند شفة النهر.
بعضهم يغدقك بالفرح، عندما يلغي الأسوار، ويتخلص من الحواجز، ويصبح في الوجود، مثل حلم الطفولة، مثل العفوية في عيون الأطفال، مثل البراءة بين حاجبي امرأة بدائية.
بعضهم يملؤك بالفرح، عندما يأتيك، مثل نثات المطر، ويغسلك من هواجس أيامك، ثم يرتب أوراق ابتسامتك على صفحات بيضاء من غير سوء، بعضهم يحتفي بابتسامتك، مثلما تحتفي الوردة بالنسيم، فيخصب فيك الحياة مثلما يفعل النهر بالأشجار.
بعضهم يمدك بالتفاؤل، مثلما تمد الأفكار المنيرة الوعي باليقظة. بعضهم يسكنك من أول لقاء، مثلما يسكن الندى أكمام الزهر، مثلما تسكن خيوط الشمس أحشاء الوجود. بعضهم يملكك، مثلما تمتلك الحياة سر وجودك.
بعضهم يسرج خيولك مهيئاً إياك لرحلة إلى القمر، هناك تجلسان على ضفة خالية من الضجيج، وتستدعيان كتاب التاريخ، وتقرآن كم من حضارات أفلت، وكم من حضارات اختبأت في معطف هزائمها وكم من حضارات بطشت بأخرى، ثم توالت منكراتها، وتدابيرها الغاشمة، وكم من حضارات غطست في أوحال التوسع على حساب الغير، فانهارت فجأة، على رؤوس أصحابها مثل جدران الطين، وكم من حضارات وقعت تحت وطأة الأوهام، فنالت ما نالت من هشيم اندحارها، وانهيارها، وتواريها خلف غيمة داكنة، وكم من حضارات باءت طموحاتها الخيالية بالفشل الذريع، وانطوت على خسارات مفجعة، وكم من حضارات خلدت، لأنها لم تحطم قوانين الطبيعة، ولم تتجبر، ولم تتكبر، ولم تتعال على الآخرين، وكم من حضارات حققت إنجازاتها بسبب قدرتها الفائقة على تجاوز غشاوة الذات، وكم من حضارات أبهرت، وأدهشت، وأغدقت العالم بالحب، بعدما صنعت من أنامل الود خيوط تواصل لا ينقطع، ولا ينقشع، كم من الحضارات، أنارت طريق الآخرين، بمصابيح الأحلام الزاهية، وأيقظت في وعي الناس، سنابل النهوض، وجداول الخصب.