في هذا اليوم تبدو يا وطني كزهرة لوتس تخرج من طين الأرض، فتزهو أنت، وتزدهر ويختفي الطين. في يومك، هذا، وفي كل أيامك، تبرز أحلامنا الزاهية مثل مجدك الذي خطه الأولون، ونسجوا على ترابك قماشة الحرير، ترفل بها أيامك، وتزدهر أنت، كما تزهر الأيام في عيوننا، وتتفرع أفراحاً، وواحة عشقنا هي القصيدة التي يغرد بها الطير، ويسرد الشجر قصة شعب، آمن بأن الحب هو نظرية الوجود، ووجد الإنسان الذي حلق، وتألق وتدفق، وترقرق، وتنمق، وحدق في الأفق، فرأى الشمس، تجدل شعر أمنياتنا بخيوط من ذهب الفرح، وتمنحنا بريق النشوء، والارتقاء بفرادة، واستثنائية لا تضاهى. في هذا اليوم ونحن نشهد علم بلدنا، يخفق بألوان السخاء، والعطاء، والانتماء، والرخاء، والوفاء، والبهاء، ونقول، هذا يومك، وهذه أيامك، ياوطن الأوفياء، الذين غسلوا رثاثة الآخرين بدماء زكية وطهروا أرض الأحبة، والصحاب، والأقرباء، بأرواح كأجنحة ترفرف، لتخفف عن الآخرين لظى التعب، وشظف الحياة، وظلم ذوي القربى. في هذا اليوم، أراك يا وطني تذهب بالمعنى إلى نهايات قصوى، وتبدي في النوايا ما يشع، ويملأ أفنية الآخرين بضوء التنوير ويجعل من الحياة سراجاً منيراً، ومن التضاريس، واحة ترتع فيها غزلان المحبة، وعلى أرجائها ترفل النجوم بثوب الطمأنينة. في يومك الثامن والأربعين، الرسالة قد وصلت، وعلى الآخرين أن يقرؤوا ما بين سطورها، وأن يستوعبوا أبجدية أن تكون محباً، وأن تصبح ما بين العالمين مثالاً يحتذى، ونموذجاً يقتدى، وأن تكون أنت..أنت، ولا شبيه لك غيرك أنت، يا أنت المؤلف من نبرة الموجة، ومن عبرة النهج القويم، ومن خبرة الصحراء
العريقة، ومن قدرة الشامخين، ومن نفرة العابرين إلى محيط الحياة من دون ضغينة أو إدانة أو تذمر، أنت يا وطن، علمتنا كيف يكون الإبداع سخياً، عندما تمتلئ الأشجار بثمرات العشق، وعندما تصبح الموجة قارباً يحمل المعاني الجليلة إلى العالم من دون منة أو كبر. أنت يا وطن، لك في الزمان مكان، ولك في المكان زمان، يرتلان آيات الرزانة والأمانة، والرصانة، ويحدبان في الوجود بفكرة لا مناص من الالتزام بها، وهي أن الإنسان هو راعي الكون، وعلينا أن نحتفي بكوننا، ونحتفل بإنجازات من رسموا للأوطان صورة مثلى في التفاني، والتضحيات الكبرى. أنت يا وطن، ولا بعدك، ولا قبلك، ولا سواك، ولا عداك إن في البدء وفي الآخر، كوننا الذي نخبئ فيه حبنا، ونقطف من أشجاره ثمرات عشقنا.
أنت يا وطن، عندما ترفع أعلامك تختفي ضغائن الآخرين، فارَّة من بريقها المشع، هاربة من تألقها الناصع. فافرح يا وطن، ولا يحق الفرح إلا للعشاق، والنجباء، والنبلاء، والذين بنوا أمجادهم على صفحات القمر.