لم يكتب عن عاطفة بشرية، في التاريخ الإنساني، أكثر من الكتابة عن الحب، وفي التاريخ العربي، يزخر، شعرنا، ونثرنا، وسردنا، وحكاياتنا، وقصصنا الواعية وغير الواعية، جلس الحب متكئاً على خاصرة المشاعر، مثل عصفور بللت جناحيه، عاصفة مطرية عاتية.
الحب يختبئ في كل معطف من معاطف حياتنا، الحب يسكن الكهوف، والقصور، الحب يجتاح الأحداث، المأساوية، والمبهجة على حد سواء.
الحب مثل الهواء يحيط الوجدان والأشجان ولا يكل ولا يمل من بعث رسائله إلى كل الجهات. إنه المحيط الذي يطوق الكرة الأرضية.
ولأن الحب بهذا الامتداد، وهذا الاتقاد، وهذا المداد الذي لا يكف عن بوح أسراره، وفضح أخباره، فإنه بادر على التلون، والتزين، والتفنن، في صناعة المجد، كما في حفر اللحد.
الحب كائن عملاق يسكن ثقب أبرة، والحب أسطوري، يقبض على هدب الخياطة.
الحب نستعمله في كل الظروف، والأحيان، والأديان، والمعتقدات، والنظريات، والأغراض، إنه مثل القصيدة واسع الحدقات، وهو في السراء والضراء، نوصمه بالحب النظيف، ونطلق عليه العاطفة السامية. ولكون كل هذه المسميات، وكل هذه الأوصاف، والنعوت، لا تخضع لقانون الطبيعة عندما يجردها الإنسان من معناها، ومن محتواها.
الحب يصبح مثل الرمال المتحركة عندما ينزل منزلة الإنسان المحب. فالإنسان يحب أن يكون غنياً، ويحب أن يكون قوياً، ويحب أن يكون عبقرياً، ويحب أن يكون جميلاً، ويحب أن يكون مسيطراً، ويحب أن يكون صاحب منصب، بكعب عال.
ولكن من أشد مشاعر الحب فظاظة، وبشاعة، هو أن يحب الإنسان، بأن يكون محبوباً. هذه العاطفة، عندما تتملك الإنسان، فإنه يصبح مثل من يحمل فأساً، ويدخل غابة ملأى بالأشجار، فيمعن في التقطيع، والتدمير دون هوادة.
فإن كنت تحب أن تكون محبوباً، فأنت كمن يذهب إلى النهر، ولا يريد أن يزاحمه أحد في شرب ماء النهر.
أنت مثل من يتسلق الشجرة، ليروغ كل الكائنات على قمتها، وليبقى المكان تحت سطوته، وتحت سيطرته.
أن تحب أن تكون محبوباً، فأنت الأناني الأول في هذا العالم، وأنت الكاره الأول في الوجود.
ليس طلب الحب، إلا كراهية مبطنة، وحقداً يختبئ تحت ملاءة رثة اسمها الأنانية.
عندما تسعى لأن تكون محبوباً، لا تريد أن تعطي، بقدر ما تريد أن تأخذ، وتسلب الآخر، حب الاختيار، عندما تفكر في من يحبك فأنت لا تفكر إلا في نفسك، وهذه ذروة الحب، بمخالب الشيطان.