في حياتنا الجميلة، يمر الوقت بما يشعرنا دائماً بكل شيء، يلامس ابتغاءنا ورغباتنا وشغفنا، ويفصل بين إرادتنا أحياناً، وفي خضم التجلي، نرى الوقت في صور مختلفة، من النجاح أو التعثر أو حتى الإقصاء، وفي كل الحالات يحّملنا المساءلة، إذا ما أفرطنا في التعامل معه ويمضي بنا نحو التغيير، يكره فينا الصمت والجمود وحتى الضجيج، وينأى بنا عن الخمول ويشاغب فينا الدهر، حتى نتفوق على الوقت نفسه إذا أمكن، وهنا يكمن النجاح الأبهى، لذا أهمية الوقت في أنه يرفض فينا الاستسلام للعمر، أو النهاية المبكرة أو المتأخرة، ويحفزنا على الوجود الفاعل والمتفاعل مع الحياة.
تعاليم الوقت وحدها ما تعصف بالمتآمرين على الحياة، وتلقن المخادعين درساً، فمن يهدر الوقت يهدر الحياة بصورة ساذجة ومؤلمة، لذا الفشل مقترن دائماً بهدر الوقت، أو سرقته من الآخرين، أما النجاح مقترن بالمثابرة والسعي نحو الهدف، لذا فلسفة الوقت لا تسقط من ذهن البشرية ولا تتوارى بعيداً، بل تزهر منذ بداية الخلق والخليقة.
وبهذه الفلسفة الجميلة، ترى سمات الوقت على الشعوب، وترى تقاليدهم المختلفة والمتفاوتة من شعب إلى آخر، وترى في أنفسهم عامل الوقت، تتجلى فيه سماتهم، وتظهر ما لديها من تقاليد يومية، ترى نظرتهم إلى الآخر من خلال الوقت، ترى كيف تجسيدهم لهنيهات جميلة، يقطفوها من وقتهم الثمين، ليجلسوا ويتبادلوا الأحاديث والأفكار، أو يقرأوا الصحف على رائحة القهوة الصباحية أو المسائية.
وفي العالم ما يسمى بتطويع الوقت، من أجل المنجز الزمني وهو العد عكس رتم الوقت، لتصل النهاية المثلى في التخطيط والإدارة، واتباع أجندة زمنية، وهذا ما يحدث في الكتابة، فعامل الوقت يهيمن على منجر الإصدار لدى الكاتب الذي يبحث عن البيئة اللازمة من أجل البعد عن ما يخدش وقته وزمنه المحاصر من قبل رتم الحياة.
ورغم اكتظاظ الحياة وتحولها من حال إلى آخر، إلا أنها ذات دلالة وقتية، وأهم من ذا وذاك بأن الوقت بدواخلنا، يسعى بنا وفينا بعيداً كالخيال، وبتعاليمه يحشو فراغاتنا الروحية بالجمال وبالأمنيات ويحررنا من الماضي الأليم، ليرسم لنا صورة ذهنية لأنفسنا أمام صياغة الحياة وتبددها لنا من وقت إلى آخر. فالامتثال لإرادة الوقت ودقته هو جزء من الوعي والثقافة، وأن اتباع نموذج الوقت في المجتمعات المتقدمة دائماً ما يشعرك بالمستوى الراقي القيم، فدلالة الوقت أن تصنع الصورة المثلى للحياة ولتعاليمها الحديثة، لذا سمات الشعوب في حضور الوقت في حياتهم.