«ما هذا الملل».. بهذه العبارة حدثت الروائية «أليف شافاق» -عندما كانت طفلة- نفسها وقت أهدتها والدتها مفكرة صغيرة وطلبت منها أن تكتب أي شيء في يومياتها؛ فما المثير أساساً في حياتها لكي تكتبه مقارنة بما تقرؤه من قصص مثيرة وجذابة! هكذا بدأت الحكاية كما تسردها المؤلفة التركية التي ترجمت مؤلفاتها لما يزيد على 25 لغة وتربع بعض كتبها على عرش «الأكثر مبيعاً». تسرد «أليف» حكايتها مع الكتابة في مقال قام بترجمته -وعدد آخر من المقالات لكبار الروائيين- عبدالله الزماي ونشره في كتاب «حياة الكتابة».


في معرض الشارقة للكتاب، الذي أغلق أبوابه يوم أمس، أهدى جمال الشحي ومحمد خميس لأطفالنا هدية مشابهة، «مفكرة المشاغبين»، فقط دفتر صغير، يطلب خلاله من الطفل أن يسجل مشاغباته وكل ما يقوم ويفكر به داخل هذا الدفتر. وبطريقة لطيفة ومحببة يخبر الأطفال أن لا يكونوا عاديين، بل أن يكونوا مميزين يدونون أفعالهم، فيحفزهم أولاً للقراءة لأن من شروط كتابة المذكرات أن يكون الطفل قد قرأ أجزاء من كتاب قصص «يوميات مشاغب»، وكذلك يحفزهم للكتابة ومواجهة النفس وتجربة تدوين الخيال.


ليس مجالي هنا الثناء على الفكرة، فجدواها الحقيقية ستظهر بعد تجاوب الأطفال مع الفكرة والبدء بالفعل بإرسال ما يكتبونه لأن جمال ومحمد سيقومان باختيار أفضل المذكرات المشاركة وسينشرانها. إنما أشرت إلى هذه المبادرة كونها تخرج من دائرة النمطية في التعاطي مع الإبداع وكأن له «سلم» لا يمكن صعود درجة منه قبل الأخرى، بمعنى أنه لا يمكن لك أن تكون كاتباً ما لم تقرأ؛ بينما هذا جزء من الحقيقة وليس كلها؛ فالمعيار الحقيقي للإبداع وخصوصاً الكتابي هو التجربة التي يتعرض لها الكاتب بالإضافة إلى ما يقرؤه، وهذا ما سأطلق عليه صفة الأصالة، كون صاحب التجربة -مهما كان نوعها- سيقوم بنقل ما عاشه في الحقيقة -حتى لو كان في خياله- لا ما قرأه في كتب غيره، فيما ستساعده القراءة في صياغة إبداعه!
تقول «أليف شافاق» عن دخولها لعالم الكتابة: «التقطت الدفتر وبدأت أكتب.. لا عن نفسي، بل عن أناس لم يكن لهم وجود، وعن أشياء لم تحدث قط، ومن دون أن أدري عبرت الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال..». وجدت أليف طريقها المحفوف بالجمال والإبداع الذي يعرفه تماماً من قرأ لها عبر دفترها الصغير ذاك. وبالطريقة نفسها سيجد أطفالنا طرقهم الخاصة نحو الجمال؛ عندما نخبرهم أن في حياتهم ما يستحق أن يحتفوا به، حتى لو كانت مشاغباتهم.