يبدو أن الكلمة لم تعد بالقوة ذاتها في مواجهة الدولار.. انخفض سعرها في سوق العملات، أو ربما لم تعد «عملة» هذه الأيام، وهي التي كانت في عقود سابقة كل شيء.. كانت تحرك جيوشاً وتبدل قرارات، وتبعثر أوراق السوق كله إنْ أرادت.
لا أدري لماذا خالجني ذلك الشعور، وأنا أقرأ تفاصيل الحلقة الأولى من ملف «الاتحاد» الذي بدأته اليوم، والذي تكشف فيه خريطة أكبر عملية فساد في تاريخ الرياضة، وكيف أن قطر تصر كل يوم، على أن تسلب لعبة كرة القدم وجهها الجميل، وتمنحها وجهاً قبيحاً يشبهها ويشبه ممارساتها حول العالم.
لست أدري كيف يحدث ما يحدث، ويتحرك القطريون في مفاصل اللعبة ليدمروها بهذا الشكل، وكيف مضى ما مضى من كتابات ودراسات وشهادات للصحفي الإنجليزي ديفيد يالوب وتقرير جارسيا، وغيرهما الكثير، وما زلنا نقف موقف المتفرج.. كيف أصبح الشراء ممكناً بهذا الشكل للذمم والأصوات والمواقف.. كيف بات كل ما نكتب وما نقول مجرد ملء لفراغ الورق ليس إلا، نقرأه و«نحسبن» وفقط.
قطر، لم تتوقف عند شراء كأس العالم، لكنها تريد أيضاً شراء الظروف والإمكانية والسيناريو.. تريد تفصيل كل شيء ليوافق هواها وإمكاناتها، فبعدما انتظر العالم قرار زيادة عدد الفرق المشاركة في المونديال إلى 48 فريقاً، والذي يمنح الفرصة لدول تحاول طوال عقود كي تحقق حلمها أخيراً، يبدو كل ذلك في طريقه «للتبخر»، لأن قطر لا تريد، أما لماذا؟ فلأنها لا تستطيع استضافة وتنظيم مباريات لـ 48 منتخباً.. بالفعل لا تستطيع أن تستضيف فرقاً وجماهير يفوقون سكانها عدداً.. هي بالكاد تحاول وقد لا تستطيع أن تفي بما عليها تجاه الأعباء الحالية، فكيف باستطاعتها أن تنشئ ملاعب جديدة، وبالتالي تلجأ دائماً للطريق الأسهل.. ادفع فذلك أكثر إنجازاً.
تتدثر الأموال القطرية المشبوهة بأثواب شتى، ما بين رعاية لأندية وشراء أراضٍ ودعوات لزيارة الدوحة لإنجاز الأمور طبعاً، واستغلال شركة الطيران لديهم لتشارك على طريقتها، لكن اللافت أن التحركات تحدث على أعلى المستويات، وكل عناصر الشر تتكامل معاً للمضي بالكرة نحو «قبرها»، وظني أن إقامة المونديال في الدوحة، وأياً كان عدد المنتخبات وكيف كانت الصيغة، وحتى إنْ أبهرتنا بأشياء اعتادت صناعتها، ستكون انتصاراً للشر، لن تقدر الكرة على مجابهته بعد ذلك.
من جانبنا، ليس لدينا سوى أقلامنا، وليس بإمكاننا إلا أن نكتب، ولن نرضخ حتى لو رضخ العالم، ولن نقبل أن نشاهد كل هذا العبث ونقف مكتوفي الأيدي.. ما نقدمه إليك رسالة من أجلك أنت، لتعلم وترى.. لتبقى مؤمناً أن الخير موجود، حتى ولو كان مجرد كلمة.


** كلمة أخيرة:
من اعتاد الصفقات المشبوهة.. حتماً كانت صفقته الأولى أنه باع نفسه