أمر يشيع الفزع، ويجعلك عند حافة الألم الوجودي، عندما تلتقي شخصاً أشبه بلوحة تشكيلية قديمة، ضاعت كل ملامحها بسبب الإهمال. يصيبك الغثيان وأنت تلاحق كلمة غامضة تخرج من فم شخص بصعوبة، مثل الولادة المتعسرة. ينتابك الغيظ وأنت تتابع همسات أشبه بالحشرجة، تخرج من بين شفتين ناشفتين، وكأن هذا الشخص يمجّ في وجهك قشور اللب. يعتريك هاجس غريب وأنت تنظر إلى شخص وقد غرق في بحيرة من الصمت، وأشاح باتجاه عالم مدلهم غامض. تفكر في هذا الوجه الذي أمامك، تفكر في القسمات والتجاعيد والتلافيف والتجاويف والالتواءات، تفكر في كل شيء وأنت لا تحول عينيك عن هامة أصبحت جذع شجرة اقتلعت من مكانها، ورميت على حافة طريق خاو. تفكر في هذا الشخص، وتغلب عليك الظنون بأنه إنسان جاء من عالم آخر، إنسان اختلطت في عينيه الألوان، ولم يعد يميز ما بين الظلام والنور. يستفزك، ويوقظ فيك إحساساً مريباً، تحاول أن تغادره بسلام، ولكن قلبك يمسك بك، ويقول لك: لا تذهب من هنا، إنك أمام أحفورة، ربما تجد فيها ما يرتب أفكارك حول تاريخ قديم، ظللت تبحث في طياته عن بداية الإنسان الأول، وكيف كانت هيأته، وكيف كان يتخاطب مع ذويه. تبهت عندما ترى في عيني هذا الشخص وميضاً باهتاً، وكأنه بصيص مصباح يشع من بعيد. تثبت عينيك في عينيه، تتأمل الشعاع الرهيف الخافت، وتتأمل وجه الشخص، تشعر بانقباض، ويحتويك إحباط وكأنك في قبضة أسلاك شائكة. تحاول أن تنهض ثانية، ولكنك تعرض عن ذلك، وتستمر في النظر إلى الوجه الغريب. فعلت كل ما بوسعك أن تفعله، ولكن كل محاولاتك باءت بالفشل، لأنك أمام صخرة لا تلين ولا تنثني، ولأنك جئت للمكان الخطأ، ولذلك لم تفلح جهودك في فتح محارة الأمل. وعندما تكون في حضرة إنسان كهذا تشعر بتأنيب الضمير، ويخيل إليك أنك في يوم من الأيام رجمت الشمس بحجر، فانتكست، وطمست، وأصيبت بالكسوف، تفكر في هذا الخيال الذي داهمك، ولا تصدق أنك أمام كائن بشري، يثير فيك كل هذه الشكوك، ولا يفوه ببنت شفة كي يجلي عنك كل هذا الصدأ، ويريح بالك، ويجعلك في منأى من الحفر السوداء. تفكر في هذا المخلوق وكأنك أمام جزيرة نائية لم تطأها قدم إنسان، كأنك أمام كتاب قديم، كتب بلغة لا تعرفها فتفكر.. وتفكر، ولا تخرج بما فيه الكفاية من قناعة بأن من يجلس أمامك هو كائن بشري من دم ولحم. هذه نماذج بشرية، تدور من حولنا، ونحن نعتب، ونغضب، ونسغب، وننكب، عندما نصطدم بهذه الرمال الكثيفة، ولكنه الواقع، يقذف عليك مثل هذه الكتل الكثيفة من الرطوبة الخانقة، وعليك أن تقبل أو لا تقبل.