في 2020 «نريد أن نستعد لإطلاق قفزات في الاقتصاد، في التعليم، في البنية التحتية، في الصحة، في الإعلام، في نقل قصة الإمارات للعالم».. هكذا تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في الأيام الماضية، فيما نتهيأ لعام الاستعداد لانتصاف قرن على اتحاد الإمارات.
القطاعات التي تحدث عنها سموه قوية ومنتجة وتنافسية إقليمياً وعالمياً، لكن النقاش المحلي على وسائل التواصل الاجتماعي انحصر في الإعلام، بوصفه قطاعاً يحتاج إلى نهضة شاملة، وإلى استراتيجية، تتكيف مع تسارع التطورات فيه فلسفةً ومفهوماً ودوراً، ومع اتساع التهديد أيضاً، بعدما أصبحت معارك الفضاء الرقمي أكثر خطورة من حروب الأرض.
النقاش مفيد وصحي على كل الأحوال، وإذا كنا نريد حلولاً، فعلينا أولاً أنّ نتوقف عن إلقاء اللوم على بعضنا بعضاً، ونسأل أنفسنا أي إعلام نريد، هل نريد الاستمرار في مرحلة الإعلام التنموي، بالدعم الحكومي الراهن، أم نتوجه إلى الإعلام الاحترافي الذي يتحرك بمنطق السوق، ويطور محتوى نقدياً، ويبني صدقيته على القواعد المهنية العالمية؟
ماذا فعل الإعلام الرسمي، طوال العقود الماضية، ولماذا نقرأ ونشاهد أخبار بلادنا في إعلام الآخرين، ولماذا ازدهرت قطاعات كثيرة، وبقيت محطاتنا وصحفنا على حالها، تفتخر بمواكبة التقنيات في البث والطباعة، ولا تحفل بمحتوى تجاري؟ وغير ذلك من تساؤلات، كلها مطروحة لدينا، وفي دول عربية عدة، وأساسها أن المحتوى الرسمي في وسائل إعلام الحكومات ليس تنافسياً، لأنه يسوّق الخدمات الحكومية، ولا يسمح بانتقادها، حتى في هذا المستوى، ليجد الناس في ثورة التواصل الاجتماعي ملاذاً لهم ومتنفساً، ويجد الإعلام الرسمي العربي نفسه متضرراً جراء ذلك.
أي إعلام نريد؟ فمن غير الإنصاف إنكار ما أنجزه إعلامنا الرسمي في مراحل التأسيس والبناء والتمكين. حضورنا كان مشهوداً في العالم العربي، نطبع منذ أكثر من أربعين عاماً مجلّة الأطفال العربية الوحيدة «ماجد»، وأسماء محطاتنا التلفزيونية واستديوهاتنا في أبوظبي ودبي وعجمان لم تغب عن الشاشات العربية، ووقف إعلامنا في خندق الإمارات، مدافعاً عن شعبها ضد التطرف والإرهاب في ربيع العرب إياه، ومع دور بلادنا المشرف في غوث أهلنا في اليمن، وتضحيات أبطالنا.
أي إعلام نريد؟ هذه مسؤولية الجميع. اتجاه الإعلام الحكومي الخدمي معروف ومجرب، واتجاه الإعلام التجاري، بمنطق السوق شائع ومتنامٍ. هل يستمر الدعم المالي الحكومي، أم أنّ على وسائل الإعلام الرسمية خفض الاعتماد على الدعم تدريجياً نحو الاستقلالية المالية والإدارية، وما المحاذير وراء ذلك، لا سيما أننا مكلفون بنقل «قصة الإمارات» إلى العالم؟
النقاش المحلي الأخير حول الإعلام الرسمي يأتي في سياق الحملات الدعائية المركزة على الإمارات، ربما تأثر بعض الزملاء بشراستها وزخمها، لكن لا ننسى أننا لا نستطيع أن نحول محتوى إعلامنا الرسمي إلى مستوى ما تكتبه الأسماء المستعارة والحسابات المزيفة في «تويتر»، لا نلجأ إلى الكذب والاختلاق كما يفعل غيرنا. نحن إعلام يعبر عن السياسة الرسمية لدولة الإمارات وقيادتها وصدقيتها، وأي تطور نسعى إليه، لن ينسينا أبداً أنّ للإمارات قصة تُروى، ودائماً تستحق كتابة أفضل.
نريد إعلاماً متطوراً قادراً على نقل «قصة الإمارات»، فهي الكفيلة بالرد على مصانع الكذب والحقد في الجوار والإقليم، ولا ننسى أن الأرقام الدولية التي حققتها بلادنا في التنافسية والاقتصاد والتعليم والسعادة المجتمعية، والأمن والرخاء، هي الأكثر إزعاجاً للآخرين، ولننظر إلى مصير الحملة الأخيرة على اقتصادنا وموانئنا كيف انتهت إلى خيبة كبرى، وقد عجز الممولون والمحركون عن المعلومة والدليل، واعتمدوا على تقنيات بدائية في التزييف.
نريد إعلاماً لعصر الفضاء الإماراتي، لكننا في كل الأحوال لن نشبه أعداءنا وخصومنا، لن نشبه إلا أنفسنا.