يجدر الوقوف عند «مدونة العشرين» التي أطلقها «مجلس حكماء المسلمين» في إطار تجمع نقاشي إعلامي، حضره أكثر من 200 صحفي عربي، الاثنين والثلاثاء الماضيين، في أبوظبي، بصفتها أول إطار نظري، ينبثق عن وثيقة «الأخوة الإنسانية»، ويعالج إشكاليات العمل الإعلامي العربي، والمآزق المهنية والثقافية التي تشهدها صناعة المحتوى عندما تنحرف عن المسار الأخلاقي، وعن القيم الإنسانية الأساسية.
«المدونة»، بما هي «مبادئ للعمل الإعلامي من أجل الأخوة الإنسانية» تزامنت مع مرور عام على توقيع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ورأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس على الوثيقة التاريخية في أبوظبي، وهي تلخص كثيراً من التشريعات والمواثيق الدولية في الإعلام، مع تميزها في التركيز أكثر فأكثر على خصوصية المحتوى المتعلق بالأديان والمعتقدات والأفكار، وكيف يمكن أن يساهم الإعلام في تشكيل الوعي تجاه ثقافة الأخوة الإنسانية ونشرها وتعزيزها في المجتمعات العربية.
تشير «المدونة» في مبادئها العشرين ضمناً، إلى كثير من أزمات الإعلام العربي في السنوات الأخيرة، وقد شاهدنا تزييفاً للأحداث والصور، وترويجاً للكراهية بين الأديان والمذاهب، واستغلالاً إعلامياً لضحايا الاضطرابات والحروب، لاسيما الأطفال والنساء والنازحين، مع تغييب للمعايير المهنية والأخلاقية، ولا نزال جميعاً نتعرض لأكثر من محتوى دعائي للجماعات الدينية المسيسة، والتنظيمات المتطرفة، التي لا يعدو أن يكون خطابها مثل سلوكها إساءةً لجوهر العقيدة الإسلامية، ومقاصدها في حفظ النفس، وإعلاء قيمة الإنسان.
تنص المدونة على «عدم نشر أو ترويج أي خطاب للكراهية، وتجنب أي محتوى إعلامي محوره المقارنات بين الأديان والعقائد والمذاهب أو الطعن فيها وازدراؤها»، وهذا من شأنه أن يعزز العيش المشترك والسلم بين أتباع الديانات، ويحترم ميزة التنوع في المجتمعات، مثلما من شأنه أن يحاصر نوازع التطرف، ويساهم في إفلاسها فكرياً، خصوصاً في حواضنها التي تتغذى على تغذية إعلامية، قوامها التعصب الديني.
ويحسب لـ «المدونة» شجاعتها وتفردها في تناول فوضى الفتاوى الشرعية، وكلنا يعرف كيف ساهم الإعلام العربي في نشرها وتكريسها، وأتاح لأشخاص من غير العلماء والمراجع الفقهية المتخصصة الخوض في العبادات والمعاملات والأحكام، اعتماداً على ضعيف النصوص والموروث الديني، بما مثّل انحرافات عدة عن أركان الشريعة الإسلامية، وترى المدونة وجوب أن يمتنع الإعلام عن «عرض أو نشر أو إذاعة أو ترويج أي فتوى دينية غير منسوبة لجهات الاختصاص».
أخيراً، آمل أن يتبنى منتدى الإعلام العربي، الذي يلتئم في دبي الشهر المقبل «مدونة العشرين»، باعتبارها ميثاقاً مهنياً وأخلاقياً للممارسات الإعلامية في ما يتعلق بالقضايا الإنسانية، وأن تكون متاحة للنقاش في برنامج المنتدى، وللتوقيع من ضيوفه.