لماذا نخاف مما يحيط بنا؟ هل لأننا نشعر بالنقص؟ أم لأننا لا ندرك بأننا ممتلئون بطاقة لا حدود لها، توحي إلينا بأن نكون متألقين، موهوبين، ومبدعين. فلماذا نقنع بوضعنا إنساناً منسياً، محدوداً، ضئيلاً، خفيض الجناح؟ فالضآلة والضلالة لا ضياءَ لها. والناس حولنا لن تستشعر الأمان والطمأنينة والسلام. نحن خلقنا كي نكتشف عظمة الخالق. وهذا الكشف لا يختص به أحد دون الآخر. وحين ندع نورنا يشرق، فإننا ندعو الآخرين كي يكونوا مثلنا في الوقت ذاته. وإذا تحررنا من مخاوفنا، فإن ألق حضورنا سوف يحرر الآخرين من مخاوفهم، دون وعي منهم! الإنسان في هذا العصر صار فريسة الخوف والحصر النفسي، بسبب الضلالة التي تتسيد، والقيود التي تتجسد في آلاف التفاصيل اليومية، والعلاقات التي أضاعت المحبة والتلقائية والنقاء. في هذا العصر، يسود القلق والحصار حياة الناس. في الشرق والغرب، في الشمال والجنوب. وما من خلاص سوى عودة الإنسان إلى نفسه، يستنهض فيها القوة التي خارت، والحب الذي تدجن. وليس له سوى أن يكون عفوياً، تلقائياً، ويحيا بفيض قلبه، ويعيش حياته بعمق لحظاتها. وعليه أن لا يندم. ولا يحمّل نفسه ذاكرة الألم. من الحب دائماً عليه أن ينطلق، ويتحمل مسؤولية تجربته، ويولع بما يشاء. ويكون مغامراً، يغوص عميقاً، في أسرار الحياة. ويقف مع الآخرين في محنهم. وإذا استشعر الكمال، فليبحث، عن إنسان يقتسمه معه. ويكافئ نفسه بعد كل عقبة يجتازها. وليملأه العرفان بنعمة الخالق. ففي مراحل العمر الفتي، حين التفتح الأول لطاقات الإنسان، يستبد به شره لمعرفة كل شيء عن كل شيء. وبعد النضج تحيله التقاليد إلى معرفة أحادية. كأن النضج تدجين، واحتباس في نمط. في النضج ننتقي نوعاً من المعرفة ونتخصص فيه. وفي التقاليد تتنحى المعارف العديدة التي اكتسبناها أيام الاكتشاف والبحث إلى ما وراء الضرورة فننسى ذاكرة القراءات الأولى ومتعة الكشف، والتوق للكمال ونفاذ العقل، وتوهج القلب والمحبة، والاندفاع العظيم نحو التطور! لكن فيما بعد، ماذا يعصف بنا، كي لا نكون هكذا؟ نسير محاذرين ونتفحص الأرض التي لم نطأها بعد، خوف أن يباغتنا ما لم نحتسبه! إنها القيود التي تتجسد في مسميات، ومعانٍ متعددة. إنه الحصار الذي يشدنا نحو ما لا ندريه، وما لا تكتنزه أرواحنا ومشاعرنا، وضوء بصيرتنا. وحين نبحث عن طمأنينة الروح، واشتعال القلب، علينا أن نبدع الشعر لأنه هو نضوج تفاحة المعرفة، وتعبير عن نبض الحب وعمق التأمل، وحرية الخيال، وخلاص الروح مما يثقلها. فالشاعرية هي الطاقة التي تنبض بالحب. والشعر هو الغناء الخافت للكون. وهو نبض الخيال والغوص في لجة الوجود. وهو عطر الروح حين تفيض بالمحبة!