عندما يتوجه أي منا لزيارة مخيمات اللاجئين الذين دفعتهم قسوة الحروب خارج حدود بلادهم، فأول ما يتوقعه أن يجد تخطيطاً عشوائياً، وفوضى تنظيمية، وتكدساً بشرياً، فالمخيمات تُشيّد غالباً في ظروف صعبة لإيجاد حلول سريعة لآلاف النازحين، وإيواء الأطفال وكبار السن، وتوفير مستلزمات الحياة الأساسية لهم، ويرافق ذلك ضغط كبير على هيئات الإغاثة والمتطوعين.
الصورة على النقيض تماماً في المخيم الإماراتي-الأردني للاجئين السوريين في منطقة «مريجيب الفهود». هنا قررت قيادة الإمارات أن تؤسس مضموناً جديداً للمساعدة الإنسانية في أكثر من اتجاه، فهي، أولاً، تخفف آثار النكبة السورية على الأشقاء إلى أقصى حدودها، وثانياً، تقف مع الأردن الشقيق الذي تدفقت إلى أراضيه موجات متتالية بمئات الآلاف من السوريين بعد عام 2011، وشكّلت عبئاً متزايداً على اقتصاده، وأجهزته الحكومية والخيرية.
ما فعلته الهيئات الإنسانية الإماراتية، وفي طليعتها هيئة الهلال الأحمر في «مريجيب الفهود» ليس معروفاً وذائعاً في الإعلام، لأن الإمارات لا تعتبر نجدتها لإخوتها العرب إلا واجباً، تعتز بالقيام به، على أفضل ما يكون، ولا تنتظر من وراء ذلك ترويجاً وشهرة.. تماماً، كما هو فعل الخير في قيمنا الدينية والثقافية.
«ليس من رأى، كمن سمع».. كانت العبارة الأكثر تردداً في ذهني، خلال نهار أمس الذي قضيته في «مريجيب الفهود»، ضمن وفد من إعلاميين وفنانين إماراتيين وعرب برئاسة الدكتور علي بن تميم، مدير عام «أبوظبي للإعلام»، زاروا المخيم دعماً لنحو 1200 عائلة، تضم أكثر من 7000 لاجئ، ولجهود الإغاثة الإماراتية، فمستوى التنظيم يراعي احتياجات كيان اجتماعي متكامل، تحت مظلة خدمات واسعة، تتجاوز مفهوم الإيواء، إلى خلق بيئة إنسانية تحتوي معاناة اللجوء، وتخفف من حدة تبعاتها على الأطفال والكبار.
شاهدتُ كيف نجحت الإمارات في توفير منظومة رعاية، قلّ نظيرها، في هذا المجال: التخطيط على مستوى عالٍ من التنظيم، البنية التحتية تقلل انعكاسات البيئة الصحراوية المحيطة على المساكن، ومرافق الخدمة.. التعليم والصحة في مدارس وعيادات ومستشفى ميداني، من دون إغفال العلاج والتأهيل النفسيين للأشخاص المصابين بانتكاسات نفسية، جراء اللجوء، و«فوبيا الحرب».
وفي أجواء المخيمات واللجوء، تحضر المشاعر بقوة، فيشعر الإماراتي بالفخر بصنيع بلاده، عندما يعرف أن الأطفال الذين ولدوا في هذا المخيم بعد تأسيسه في عام 2013، يعتبرون أنفسهم إماراتيين، وثمة آخرون يلمسون كل لحظة اليد التي مدتها دولتنا لهم، وقد ساعدت في لمّ شمل عائلات كثيرة، وهيأت الظروف المناسبة، ليكون سكان المخيم منتجين، من خلال الحِرف والمهن، وربما لا يقال أكثر عن المخيم من أنه شهد حفلات زفاف جماعية في السنوات الماضية.
هذا هو الحال في المخيم الإماراتي الأردني، بوصف مَن يرى، وكل ما نأمله أن تستقر سوريا الشقيقة، ويعود الأشقاء إلى وطنهم، أما نحن، فقد علمنا زايد الخير، طيب الله ذكره وعطاءه ومثواه، أن نقوم بالواجب، كما يقتضي الغوث الكريم، والتواضع.