لماذا أنا ثائرة على نفسي؟ نفسي. أهي التي تدفعني أن أفعل ذلك؟ ماذا تريد.. ماذا أريد؟ هل كنت سعيدة، أم كنت تعسة يهزني الشوق وتعذبني الليالي ويضجرني النهار الذي كان يمر مملاً كئيباً، ولكني أتمنى أن يعيد الشوق إلى بهجة الحياة، يهزني الآن إلى أي شيء ولا يعكر مزاجي، ولن يجعل من جدران غرفتي المسكينة تزحف وتزحف من كل اتجاه نحوي، فتضيق وتعتصرني بين جدرانها حتى أكاد أختنق. ولكني أسارع إلى كأس من الماء أهدهد به جذوة اليقظة وتدفق الدم والنشاط. ثم أعود وأتنفس، ثم تعود المعركة فألعن وأتخبط.. ثم ينتشلني النوم برحمته ويحتضنني في رفق وحنان.
ساهمة أسير متفرجة على أشجاري وأزهاري. أبحلق في الأشياء والشمس الساطعة تحرق جلدي، وتدفعني إلى إغلاق عيني فأخشى التعثر. ولكني أسير تجرني عربة السأم بطيئة وئيدة ثقيلة. ويظمئني القيظ فأشرب كأساً من عصير الفاكهة. ليلة وليلة أخرى من العذاب والقلق والضياع. ليلة أخرى وخلف امتداد الغيب ليال محملة بما لا أدريه. أيها الغيب الممتد أزلياً بمزيد مما لا ندرك ما تخفيه من الجدوى وآمال! وأيتها الحياة التي نتنفس في حضورنا فيك، ماذا وراءك بعد؟ ما لون الليالي التي توعدينا بها؟ ما إشراقة الشمس في صباحنا وغيابها في ليلنا؟ ما يحمل الغيب لنا بعد؟ أخصباً وعطاء أم جدباً وفناء؟ ما الاستمرار، ما بداية الدرب، ما نهايته؟ يقولون من يعشق الحياة يعرفها. فما أنت أيتها الحياة؟ أولدت أنا فيك أم أنني ما زلت في رحم الغيب؟ ومن يدعي أنه يعرفك، لا يعرف سوى موطئ قدمه. ما أنت سوى غيهب مظلم يلتحف الصمت ويقبع خلف اللامحدود.. ما أنت سوى ما لا نعرف.! ما الغد فليس سوى ما يحدث في دورة الزمن، تحت إشراقة الشمس وغيابها. جهلاء نحن البشر الذين ندعي المعرفة. فما المعرفة سوى ما نراه أمامنا. لأن ما نعتقد أنا نعرفه ليس سوى ما نخدع به أنفسنا. ليس سوى ما لم نكتشفه بعد.. نحن البشر جهلاء لأننا نعتقد أنا نعرفه، جهلاء لأننا ندعي معرفة ما لا نعرف. ولأن المعرفة تكمن في حقيقة نفسها باعتبارها شيئاً لم يعرف بعد، ولن يعرف طالما أننا ندعي معرفته. جهلاء حين تموت في نفوسنا قدرة التأمل والإبداع والكشف عن مجهول ما نراه، والتعمق في مفهوم الإنسانية، لأن هذه الصفة هي معرفة المعرفة التي ترتد إلى الداخل لتسمو فوقه!