حمد الكعبي وجميل الذيابي

خرج العرب من نكسة حزيران 1967، مُثخنين بكثير من الجراح، فالدولة الوطنية ترنّحت تحت وطأة الانقلابات العسكرية، والإنفاق على التسليح استنزف التنمية، أما مشاريع الوحدة، فظلّت أحلاماً قومية، ينام عليها الشارع العربي، ليصحو على واقع منهوب بالهزائم، وأعمقها ألماً كان في الوجدان الجمعي، لأن مفاعيل اليأس، أشد خطراً من انكسار الجيوش.
في تلك الحقبة، هناك مَن رفض أن يرفع راية القنوط، ورأى ببصيرة نافذة أن اليأس هو الهزيمة الكاملة، وأن النهضة مرهونة بالانتصار في ميادين كثيرة. ذلك ما آمن به مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حينما كان يذرع الكثبان والفيافي بين سواحل الخليج العربي، وبحر عُمان، قبل الثاني من ديسمبر، العام 1971، ويلتقي، حكاّم الإمارات، وشيوخ القبائل، سعياً وراء فكرة فذة، سرعان ما تبلورت عن أول مشروع وحدوي عربي، متصل في الزمان والمكان حتى الآن، ليؤسس دولة، سيكون لها ما يكون، من إنجاز ونضوج وسمعة دولية ذائعة.
نحن اليوم، في الثاني من ديسمبر 2018، وقد عشنا أقل من نصف قرن، تحت علم الاتحاد، وما كان يبدو مستحيلاً وبعيد المنال، بات ممكناً وواقعاً معاشاً، وما كان افتراضاً وتجربةً، أصبح نظرية مكتملة الأركان في كيف تنهض الدول، وكيف تضع التنمية غايتها في الإنسان، فتنهمك في تعليمه وتدريبه، وتتيح له الأمن والرعاية الإنسانية، وتفتح أمامه مزيداً من الآفاق، ليتحمّل مسؤوليته في البناء، إلى أن أصبح للإمارات برنامج فضائي، أسوة بالدول الكبرى، وصنع «عيال زايد» قمراً صناعياً مكتملاً، ويتهيأ شابان منهم الآن لارتياد الفضاء.
حين تطأُ أقدام شباب الإمارات سطح أي كوكب، وحينما يصل «مسبار الأمل» إلى المريخ، في أقل من ثلاث سنوات، ستتذكر الأجيال الجديدة أيّ رحلة شاقة وعبقرية، قادها الشيخ زايد، والآباء المؤسسون، وقد استمدوا عزيمتهم من التحدي، وعزمهم من الصبر، فكان للإماراتيين والعرب هذا الاتحاد المحروس بالتفاف أهله حول رايته، وحول قيادته، التي لا ترى سقفاً للطموح، ففي «سباق التميز، لا خط للنهاية»، وفي «البيت المتوحّد» يتكاتف الأهل على غاياتهم، وعنده تهون المُهج والأرواح.
لواء الاتحاد الذي رفعه زايد وإخوانه حكام الإمارات، في مثل هذا اليوم، قبل 47 عاماً بات عنواناً، عميق المضامين لدولة حديثة، لا تتوقف عجلة البناء فيها، ولا تغيب عن قوائم النجاح والتفرد في المؤشرات الدولية، التي تقيس انعكاسات التنمية على الإنسان، فالإنجازات الاقتصادية والثقافية مهما عظمت، تظل قليلة الجدوى، ما لم تنعكس عوائدها على المجتمع، وتُظهر مكامن الإبداع والابتكار والتطور المعرفي فيه.
يقول الصحافي الأميركي الشهير توماس فريدمان: «معظم الشباب العربي، الذي خيّبت مآلات الربيع آماله، يتطلع إلى الإمارات، باعتبارها نموذجاً عربياً ممكناً، للعيش بكرامة، وتحقيق الأحلام والأهداف، وأيضاً، لتخفيف مشاعر الخيبة والإحباط». وهذه من تجليات حكمة القيادة، التي أدركت أنّ تلك كانت موجةً عاتية للتطرف والإرهاب، ركبتها جماعات وعصائب متشددة، لا تريد خيراً ولا حريةً ولا خبزاً للمواطن العربي.
إزاء ذلك، رسّخت الإمارات والمملكة العربية السعودية، ودول أخرى محور الاعتدال العربي، الذي منع تجريف الأمان، وتخريب البلاد، ووقف مع الأشقاء العرب بالدم، قبل المال، لدرء مفاسد الإرهاب وشروره، وإسقاطه بضربات قوية، ليس فقط عسكرياً، بل أيضاً، بمحاصرة الظروف الموضوعية والبيئات المُنتجة للتطرف اقتصادياً وثقافياً، وتكريس قيم التسامح والسلام والقبول بالآخر، كما جاءت في رسالة ديننا الحنيف، الذي يحض على الوسطية، وينبذ الجمود والمغالاة.
في اليوم الوطني الـ47؛ تمتلك الإمارات كل عوامل القوة وشروطها، وتسخر ذلك في سبيل ازدهار شعبها، وفِي مَنعة أشقائها، وتزداد قوة بوحدة التطلعات والمصائر في علاقتها الاستثنائية مع المملكة العربية السعودية، فهنا دولتان وشعبان على قلب واحد، وهدف واحد، إِنْ كان في الوشائج السياسية والاقتصادية والجذور الاجتماعية والثقافية، أو في الدم، الذي بذله أبطال عاصفة الحزم، دفاعاً عن ثرى البلدين من أطماع الاستكبار الإيراني، وحمايةً لليمن الشقيق من الخراب والفوضى، ليسترد الشرعية، والسلام، والاستقرار، وتتكسر على صمود شعبه كل المؤامرات، والنوازع المذهبية المريضة، والإرهاب.
قيادتا البلدين، تُضيفان كل يوم بعداً جديداً لشراكتهما الشاملة، باهتمام وحرص من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقد شهدت الأسابيع الماضية مزيداً من الرسائل التي وجهتها القيادتان للإقليم والعالم.
فصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، عبّر بوضوح عن وقوف الإمارات في وجه الانتهازية السياسية، التي تنتهجها أطراف مشبوهة الأجندات والتاريخ في الإقليم، للضغط على المملكة، ومحاولة إضعاف دورها القيادي في العالمين العربي والإسلامي، ونشر قصيدة ترحيب بصاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، الذي بدأ جولة خارجية من الإمارات. وانطوت قصيدة سموه على موقف إماراتي ثابت، لخّصه بقوله: «نحنْ معكْ صفّنا واحدْ موالينكْ/ عَ كلْ حالٍ ترانا أوثقْ إخوانكْ».
وقبلها، استقبل خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، في الدرعية أخاه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وشدد سموه على أن «الإمارات مع السعودية في خندق واحد»، لأن أمن المملكة شرط أساسي، لاستقرار العالم العربي، والشرق الأوسط بأسره.
احتفلت الإمارات في الـ23 من سبتمبر الماضي مع السعودية بيومها الوطني، وها نحن في الثاني من ديسمبر نتبادل الود والمآثر، «معاً وأبداً».. وكل عام ونحن بخير ووحدة وسلام..
* مقالة مشتركة، بين رئيسي تحرير صحيفتي «الاتحاد» الإماراتية، و«عكاظ» السعودية.