يقول الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس «على الرغم من أن العقل الأول مشترك بين البشر، معظم الناس كما لو أن كل واحد منهم يمتلك حكمة خاصة به».
ويستدل فولتير حينما قال إن الصينيين والأوروبيين يمتلكون العواطف نفسها، بأنهم يشعرون بالفرح والحزن على نحو متساوٍ. ولكن الأنا عندما ترفع صوتها المجلجل، تصبح كائناً مغترباً، ووحشياً في كثير من الأحيان، فهي مثل الذي يطارده مخلب كائن أقوى منه، وهكذا يتصور الذاتي نفسه في عالم تضاءلت فيه المعايير الأخلاقية، بسبب التصور الذاتي لدى العالم. فعندما أقول أنا فإن الـ«نحن» تختفي، وعندما أقول نحن: فإن الأنا تختفي، ولا يبدو من وسيلة لتوحيد عضوي البنيان النفسي في وعاء واحد، لأن الشخص الأنوي، هو كائن منعزل، يحمل في طياته شحنات غرائبية، تختزل العالم في الأنا، وتضيع الـ«نحن»، الأمر الذي يفرز قنابل موقوته ومارقة، وحارقة ضد الآخر، الذي نطلق عليه الضمير «نحن».
الفرد المنعزل، هو فرد أنوي، قابع في بوتقة الذات المنغلقة، هو مثل الشخص الذي دخل غرفة مغلقة لا يدخل فيها الهواء، هو شخص مختنق بالأنا، وبالتالي لا يستطيع استنشاق الهواء النظيف، هو شخص يغرق في بحر من الهواء الفاسد ويتحطم رويداً، رويداً، حتى يموت نفسياً، وهكذا شخص لا يمكن أن يتوحد مع الآخر، وبالتالي فإنه يبني جسوره الذاتية من غير نوافذ، وهذا ما يجعله كارهاً للآخر، لأنه لا يعرف ماذا يحدث في الخارج، والصورة الذهنية لديه مشوشة، وكون ليس لديه
المرآة الواضحة عن العالم، فلن يهتم به. ومن يكون في مثل هذه الحال، فإنه يذهب إلى العالم بعينين مغمضتين، والأعمى يمكن أن يدوس طفلاً ويحسبه قطعة مطاطية، فلن يعبأ بما فعل، وهكذا، فالشخص المنعزل هو شخص عدواني إلى درجة الهلاك، ومن هذه البذرة الشيطانية نشأ الإرهاب، وتناسلت خلاياه المدمرة، حتى أصبح ظاهرة عالمية، بعد أن طمست الـ«نحن» في مستنقعات الأنا، وبعد أن أصبح الأنا الحصان الجانح الذي يقود العربة، وأصبح العالم في وهدة التناقض يتعشى على مائدة ضحايا الأنا المحتقنة، المسحوقة تحت رحى عصابها القهري.
وكلما غط الأنا في سبات اللاوعي، كلما غامت أحلامه، وعتمت طريقه، وبدت الحياة مجرد لحظة فانية، ملفوفة بنعش الأنا المهترئة. نحن بحاجة إلى الوعي قبل حاجتنا إلى الأكلات السريعة، كي نسرع إلى طوق النجاة من نار الأنا، نحن بحاجة إلى فلسفة الحياة، أكثر من حاجتنا إلى حوار الصم البكم، وكل ما يتعلق بأفراد انسحبوا عن الواقع، ودخلوا الغرف المغلقة، وناموا على حصى الريبة والوهم.