لا يمكن أن يكون الإنسان الفرد واحداً، كما لا يمكن أن يكون اللون واحداً، فهناك المزيج القادم من غابة الكل، وهناك الإنسان التاريخي، الذي عبر نهر التاريخ من جهة التناسل الحضاري، الذي نحن أجزاء منه، وأفراد منتمون إلى فصيلة الجذر الواحد بيولوجياً، ومهما تجاسرت الذات البشرية، وتعالى العقل، فإن السمات المتعددة في الكائن البشري هي من تلك السلسلة الطويلة من فصول التطور، والتحسين في الصفات لدى الكائنات.
يصعب علينا أن نقول إن هذا الفرد نقي من التعددية، كما ليس من السهل إذابة الفرد في الكل من دون تفرد الوحدانية التي تميزه عن سواه. فالأضداد تتشابه، والمتشابهات تتناقض، ولو حصرنا القيم والعادات والمفاهيم، والأفكار والمعتقدات والمأثورات، والأساطير والحكايات الشعبية، ومنتجات الفكر المادية، سنجد التعارض في مقابل التقابل، وسنجد الانسجام مع الاحتدام، وكل ذلك هو منتج الإنسان الواحد المتعدد. فهذا الطفل المولود منوال رجل واحد وترائب امرأة واحدة، يخرج إلى العالم بصفات بيولوجية، وسيكولوجية متعددة، قد تتجاوز عدد أفراد الوطن الواحد، لأن حضور الجينات الواقعية لا يلغي وجود جينات ما قبل التاريخ، وكذلك وجود الأخلاق المستبصرة في اللحظة، لا ينفي حضور أخلاق سالفة مترسخة في الوجدان، فالثقافة بوجه عام لا خصوصية، كما أنها لا عمومية لها صرفة، فالإنسان مزيج من هذه التراكمات التاريخية، فعندما يقول فرويد إن في الإنسان الحضاري شيئا من عصر الغاب، فهذ القول تفسره حالة الشطط الإنساني حين تتحيد قوة الوعي، ويحضر اللاوعي بقوة، ونشهد ذلك في سلوك الشخص المتطرف، عندما يخرج من كينونة الإنسانية ليدخل في غرفة الأنا المتحضِّرة، وهي في غرفة الإنعاش تساوم من أجل حياة وحشية مميتة، ولذلك عندما يعجز الفرد عن تصفية المياه الداخلية، فإنه يعود إلى ذلك الوحش القديم يستحضره بقوة، ويصبح إنساناً غابياً فجّاً عقيماً، موطن على أرض الواقع، سوى موطن الزلات الكبيرة التي لا محو لها غير العودة إلى الفردانية، بعيداً عن التعددية واختلاطاتها المريعة.
العاقل يعيش في الممكن، والمتوحش يقبع في المستحيل، وسيان بين العقل واللاعقل. الأفراد متعددون، مهما تبين لهم أنهم فرادى، والمنطقي من يستطيع فرز النوازع من بعضها ليكون في المجتمع كائناً غير متشابك الانفعالات.