ليس الوعي إلا حالة من التناغم مع الوجود، فعندما يتسع محيط الوعي يصبح كائناً متحركاً باتجاه العالم، منغمساً في احتياجات الإنسان في صلاحية البقاء من دون ضجيج الانفعال الأنوي.
وعند ما يشوب هذا الوعي ضباب الأفكار السوداوية، يبدو الوعي مثل قماشة قديمة غشاها الغبار، ولا تصلح لأن تغطي جسداً نظيفاً، نحن اليوم أمام هجمة التضليل نعيش في رتق ونزق ورهق ورهط، تكتسحنا غيوم وهموم وسقوم، ولا يستطيع العقل أن ينفض ثيابه من كتل غبار التضليل طالما وقع في مغبة اليقين الأعمى، الذي يدفعه عنوة نحو هاوية الهلاك والموت المريع.
عندما يعاني الإنسان من عدم الوعي، فإنه من الضرورة أن يذهب إلى نبع المحادثة مع الآخر، ويستلهم منه ما يوسع من وعيه، ويثري إدراكه بما يجعله يميز ما بين الخطأ والصواب، ويستطيع بذلك أن يفر من قفص الاحتباس الحراري الذي يصنعه عدم الوعي، أما العقل المضلل فهذا قد وصل إلى القناعة الخادعة، وصل إلى شراك الصور الوهمية التي ترسمها شبكات الخديعة والضلال، ويبد الإنسان في هذه الحالة مثل غزالة برية وقعت بين أنياب الشراسة، وتقطيع أوصال الوعي بالحياة، الشخص المضلل هو شخص فقد مصداقية التواؤم على الآخر، بل واعتبر الآخر جسماً غريباً لابد من اجتثاثه، لأن العقل لدى المضلل قد اكتسحته نفايات الضلال، وأصبح في قبضة الآسر الماكر، الذي صور له معتقداً ما أو فكرة ما، هي العربة التي ستأخذه إلى جنان الخلد، وهي التي ستذهب به إلى أفياء الحلم الجميل، وبالتالي يصبح هذا الشخص، كلقيط رمته أيد آثمة في مكب النفايات، والأفكار المضللة هي في نهاية الأمر، ليست إلا بقايا غذاء فاسد، صوّرها المضللون أنها من صنع أفكار معصومة من الخطأ، بل هي الصواب الذي لا يحدوه خطأ، واليوم يعج العالم بهذه الهستيريا العقائدية، وتضج أفكار الكثيرين بمثل هذه السهام المسمومة، وهذا الابتلاء يحتاج إلى دور ريادي في التصدي له، ومواجهته بحزم وصرامة، كي لا يقع السقف على بيوت العالم، من ثقل الأوزار المؤلمة، التي تكالبت وطوَّقت ألباب البشر بكل الأدواء التي تمضي بالعقل إلى مستنقع التفكك النفسي والاجتماعي، وتدهور الحضارة البشرية، واتشاح الكون ببقع سوداء أشبه ببقع الزيف في المياه الآسنة.