البعض من البشر مشاعرهم أشبه بنشارة الخشب، أو بالأحرى هم أموات تأخر دفنهم، لأسباب تخص حفار القبور الذي كان مريضاً. هؤلاء البشر لا يرق لهم قلب ولا تهيش مشاعر، ولا يلين خاطر، لأي طارئ يحدث في محيطهم فسائق مركبة قد يدهس قطة في الشارع، متعمداً، ويسحق جسد هذا المخلوق الضعيف، الذي ساقته الأقدار في لحظة فطرية عفوية إلى هذا المكان من الشارع ودون أدنى حس نجد هذا السائق ينظر من خلال المرآة المعلقة أمامه، مستلذاً بما يحدث للحيوان، الذي فارق الحياة لاعناً الإطار المطاطي، الذي حوله إلى خرقة ممزقة، مبلولة بلزوجة الدم الطاهر، وقد يحدث أن تقف حمامة برية عند طرف خفي من جدار، وهي ترقب كائناً بشرياً يترصدها كي يتمكن من إقصائها عن الحياة بضربة مباغتة من يد ممدودة وفي قبضتها حجر بمقدار حجم كف اليد.
هذه حوادث تحصل على مدى أيام عمر القساة الذين يمثلون نماذج لإرهاب إنساني، تخيل البعض أنه مزحة، تشيع في الفراغ النفسي مسرة لكل مختال أثيم، فقد القدرة على الانسجام مع الوجود، وتحول إلى كتلة نارية حارقة وسارقة لنبض الحياة، هذه أمثلة لإنسان اليوم، الخارج من أتون أنسنة القرن الواحد والعشرين، وهو يمضي إلى الحياة بميراث أقدم من أزمنة الغاب، ويحتفل في كل حقبة بثورات التنوير الحضاري التي فعلت كل شيء، إلا أنها غفلت عن تأديب النفس البشرية وتهذيبها، وتشذيب أوراقها الصفراء، حتى بقيت تلك النفس مثل غثاء السيل، بقيت مثل حافلة قديمة ملأ الصدأ أحشاءها، مثل قارب تهالك على سواحل النكران.
مثل هذه الأشكال البشرية، يغدو العالم وكأنه في حلم لم يتحقق مأرب صباه، لأن الإنسان الذي تحرر من عبودية الإنسان السابقة، لم يمكنه التخلص من أدوائه الداخلية، لأن الأنا لم تزل تطهو طعامها النيىء على نار أُطفِئت جمراتها، ولم يبق إلا الرماد، ومن تحت الرماد، يتغلغل لظى الحماقات القديمة، وتمضي قوافل الشر، من دون إشارات حمراء توقف هذا التهور، وتضور الوحوش الآدمية، إنه شر ينبئ بولادات شرور، تحتاج إلى معالجة اختلاجاته بحزم، حتى لا يستولد الشر شراً، ويصبح العالم في محيط الرهاب المميت.
فمن يفتك بحيوان أليف، كمن يقتل إنساناً، فلا فرق، فنحن جزء من هذا الوجود ومخلوقاته هي من سلالتنا التاريخية، وما كبرياء البشر، إلا خدعة بصرية نسجتها الأنا الواهمة.