هناك دائماً في هذه الحياة حلفاء للضياع، أعداء للنجاح، أصدقاء للشر، معادون لفعل الخير، يحاولون أن يعبثوا بالوقت، غير أن الزمن لا شك في غير صالحهم، يحاولون أن يتلاعبوا بالجغرافيا، غير أن التاريخ لن يقف في صفهم طويلاً، وإن صمت سهلاً، فلن يصمت دهراً، هؤلاء لا يغيظهم مثل أن تكون عاملاً فاعلاً متفاعلاً مع الحياة، وناجحاً فيها، وإن بلغت التفوق والريادة حاولوا التحرك في سبيل الزعزعة والتشكيك وقتل ذاك الحلم والطموح في نفسك، فيقومون بفعلهم ذلك في اصطناع معارك صغيرة جانبية في سلسلة حرب طويلة، ليشغلوك عن حلمك بالتفوق، وإصرارك على التقدم، فإن التفت لهم حققوا جزءاً مما يريدون، وإن أمضيت قدماً لا تعيرهم الاهتمام والتفكير انتصرت في نهاية الحرب.
هذا هو شأن بعض الأفراد، وشأن بعض الدول، وشأن بعض الأنظمة التي تهتم بالآخرين أكثر من اهتمامها بشعوبها، وتحقيق ولو جزء من السعادة والرفاه والعيش الكريم لهم وبهم ومعهم من دون شعارات خائبة، وإلقاء اللوم على ظلم التاريخ، مرة بغياب شمس إمبراطورية دفنها الدهر، ومرة بتعميم شخصيات تعرضت لوقائع سياسية عمائم من وزر السنين، وسيرورة الأحداث المتواترة، ليتسيدوا المشهد البكائي، ويثقلوا أكتاف أحفاد تناسلوا عبر ألف سنة وخمسة قرون مما يحسبون، معتقدين أن التجييش والتسييس والتحشيش قد يفيد في حل معضلة التاريخ التي يحملونها حين يريدون الحج، وحين يضحون، وحين يطوفون، وحين يزورون، ناسين أن للبيت رباً يحميه، متناسين تلك الحكمة الحبشية التي لم يعها «أبرهة» وأفياله، وأن لا مكان لـ«أبي رغال» بين العرب، غير مكان الرجم.
خليجنا واحد ومتوحد بالحكماء والعقلاء، وساسة النجاح، ومبتغي التطور والازدهار، وما أناشيد النعي، وطقوس النعوش الجنائزية إلا ما يفرح صدورهم غير النقية، وقلوبهم غير الطاهرة، لكن من يستخف بإرادة شعبه، ويزيد من تلوث بلده، ويبذر مقدرات الوطن على تحزبات «ميليشية» تقاتل بالإنابة، وعن بعد، ووفق أجندة مع الرحمن، كما يدعون عبر مكبرات الصوت، وفي الحشد الجماهيري، وغالباً إن لم يكن مطلقاً مع الشيطان، فهو إلى ذاك المكبّ الذي لا يعبأ به التاريخ، ولا تعترف به صيرورة الحضارة.
هذا حال الأنظمة الثيوقراطية المنقرضة والتي تعد شعوبها بالفناء الأبدي، فلا عيش في الحياة يدركون، ولا نعيم في الآخرة يوعدون، غير وعد الكذب، ووعد مفاتيح الجنان المغلقة، وصكوك الغفران المزورة!