كتبت كثيراً عن أولئك الذين علينا أن نسدي لهم شكرنا كونهم سبباً لما نحن عليه؛ والحقيقة أن المؤهلين لهذا الامتنان هم في لائحة تطول كثيراً حتى لتكاد يسكنها كل من قابلناهم وسنقابلهم بقية حياتنا، خصوصاً أولئك الذين نصنّفهم أشراراً ولئاماً أو حتى الأغبياء ممن لا يقصدون ما يفعلون. بفضل قراءات مختلفة، أدركت قيمة التجربة الإيجابية التي يمكن أن يقدمها السائق المتلكئ والمتباطئ في تحريك سيارته من طريق يجب أن يبقى انسيابياً ـ سواء كان شريراً أو لئيماً أو حتى غبياً لا يدرك نتيجة عمله ـ إلا أنه وبلا أدنى شك أضاف إليّ فرصة لإدراك مدى صبري وطبيعة أخلاقي التي لا يمكنني اختبار حقيقتها إلا في ظروف واقعية كهذه وعلى أيدي أناس مثله.
في الحياة، نواجه أشخاصاً قد يتسببون في إغلاق أبواب نكاد نعبرها؛ ولكنهم بذلك يدفعون بنا إلى سلوك طرق مختلفة تماماً لم نكن لنفكر حتى في ولوجها. اليوم وبعد سنوات من أزمة سابقة مررت بها، أتأمل سبب ما أنا فيه اليوم، إنما يعود لذلك الظرف الذي كنت على قناعة تامة أنه من أسوأ ما واجهته في حياتي. بعضهم وبلا قصد على الإطلاق يتسببون في تغيير حياتنا بشكل جذري ويحوّلونها إلى محطات أوسع كثيراً، بل وأجمل.
تتحرك الأشياء حولنا بطريقة مثيرة وسريعة جداً لدرجة لا نكاد نلحظها، ويعد المحظوظون فقط هم من يتمكنون من التقاط هذه التحركات وإدراك أسرارها؛ وهم من سيتمكنون من العيش في حالة من السكينة والسعادة. هذا الفهم والإدراك سيجعلنا بشكل أو بآخر نحرر أفكارنا من النهايات السوداء لما نواجهه من ظروف صعبة لا تسير على هوانا، وتمكننا من العيش بطريقة أفضل من آخرين لا يتعاملون مع التجارب نفسها بطريقتنا.
في كتاب «المفتاح الكوني»، يقول الكاتب تشارلز ف. هانل: إن جودة أفكارنا الواعية هي التي سيترتب عليها طبيعة التجارب التي سنعيشها؛ وإن الأفكار المتوافقة مع نواميس الكون توسع الضفيرة الشمسية، وتجعل حياتنا أكثر قوة في جذب الخير والجمال. ولهذا يبدو الامتنان لكل من نقابلهم، ويتسببون في خوض تجارب «واعية» معهم.. فعل مستحق.