من الأفكار الجديدة في الأنشطة المسرحية في الوطن العربي، تلك الأفكار التي ولدت وأسست لمرحلة واعدة في مسيرة أبي الفنون. ودائماً ما تشرق هذه الأفكار البنّاءة من الشارقة المتألقة بالإبداع والفعاليات. وهنا نقصد فكرة مهرجان المسرح الصحراوي الذي بدأ قبل سنوات قليلة، وتوقعنا أن تفتح هذه التجربة كوة في نشاط المسرح، وتبعث فيه روحاً جديدة. وهذا هو الرهان الذي ينطلق منه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يقدم المبادرة، ويظل خلفها بالدعم والإرشاد والمتابعة.
والمهم أن هذه التسمية، أي مهرجان المسرح الصحراوي، توقد في الفضاء المسرحي العام نوراً جديداً، وتعيد الإبداع المسرحي إلى منابعه الأولى، حينما عبر الإنسان من خلال القرون الأولى عن شؤونه وشجونه بفنون أدائية فطرية، نقلت كوامنه إلى الآخرين. والأهم في المسرح الصحراوي، أنه ينقل العملية المسرحية بكل عناصرها البشرية والمادية إلى فضاء مفتوح، حيث تكون الطبيعة بمكوناتها، والليل بتوهج نجومه، هما البديل عن الخشبة والعلبة.
إن المسرح الصحراوي يحتاج إلى عناصر وأدوات، برغم بساطتها، لكن لا غنى عنها لنجاح العمل الأدائي. فما يمكن تقديمه على الخشبة التقليدية لا يمكن إنجازه في مدى أوسع. وهذا الواقع، يوفر فرصة كبيرة لكتابة نصوص تصلح للعمل المسرحي في هذا الفضاء الصحراوي.
وبمثل جدة وجدية المسرح الصحراوي، تأتي من الشارقة أيضاً، فكرة المسرح البحري، ولا شك في أنها فكرة عظيمة، خاصة أن البحر كثيراً ما يكون مغرياً للعمل والكتابة والإبداع. وأحداث كثيرة كان البحر ساحتها مرت على الخليج العربي وموانئ وشواطئ عربية أخرى، حيث صنع التاريخ على الشواطئ، وتبدلت أنماط الحياة في الساحل والداخل. وسواحل الإمارات وما جاورها، على سبيل المثال، شهدت أحداثاً تاريخية، حولت مجرى الحياة هنا وهناك، بل حتى رواية الشيخ سلطان بن محمد القاسمي «بيبي فاطمة وأبناء الملك» يمكن الاشتغال عليها مسرحياً، إذا تم استخلاص صراعات «لبخة» من بين أحداثها الكثيرة، والنهاية التي قدمها الكاتب لروايته تصلح أن تكون مفصلية في تقديم خاتمة لأحداث «لبخة»، لكن الأمر يحتاج كاتباً مسرحياً لديه خبرة في إعداد الأعمال التاريخية.
نعم، فكرتان جديدتان يقدمهما رائد الثقافة في الإمارات للعمل المسرحي العربي، ووقوفه خلف هذه الأفكار الرائدة هو وصفة نجاح لها. فكل شمس تشرق تحمل من الشارقة كل جديد ومفيد.