لطالما كان مستقبل الأمم مرتبطاً بمدى الحفاظ على لغاتها، فلا يمكن لأمة أن تستمر في الوجود إذا تخلت عن لغتها، لأن ازدهار الأمم وتطورها الحضاري والفكري والثقافي، مرتبط ارتباطاً عضوياً بنمو لغتها وصونها، ومساهمتها في إثراء العلوم والمعرفة والثقافة العالمية.
يشغل مستقبل اللغة العربية اهتمام أكثر من 422 مليون شخص يعيشون على هذا الكوكب، يتخذون من «العربية» وسيلة للتخاطب، لأن اللغة العربية ليست مجرد قضية أدبية وثقافية، بل قضية قومية جامعة، ذات صبغة سيادية، لها صلة بثقافتنا وتراثنا وحضارتنا. ولفهم التحديات التي تواجه اللغة، لا بد من إجراء دراسات وأبحاث علمية معمقة للتعرف أكثر على واقع لغتنا، ومن هنا جاءت مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بالبدء في إعداد تقرير «حالة ومستقبل اللغة العربية».
ستعمل وزارة الثقافة وتنمية المعرفة والمجلس الاستشاري للغة العربية على إطلاق هذا التقرير الذي سيعالج التحديات التي تواجه لغتنا، فهو تقرير متكامل وشامل لا يخص دولة الإمارات وحدها، بل جميع الناطقين بالعربية، وستشكل مخرجاته خطوطاً عريضة تستفيد منها الحكومات، والجامعات، والمجامع اللغوية، ومراكز اللغة العربية في أقطارنا العربية.
يزوّد تقرير حالة ومستقبل اللغة العربية المسؤولين وصناع القرار بالسياسات الجديدة لتحسين حالة اللغة العربية، وتعزيز وجودها، وتطوير أساليب تكون مرجعاً موثوقاً يسهل الوصول إليه من قبل الباحثين والدارسين، إذ يستند التقرير إلى أحدث البيانات التي ترسم اللغة العربية في المجتمع، وتحلل أبرز الاتجاهات المستقبلية ذات الصلة.
تتكامل هذه الخطوة مع الجهود المقدرة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي أعلن عن تأسيس رابطة اللغة العربية، إضافة إلى جهود الجامعة القاسمية التي تخرج طلاباً ينشرون اللغة العربية لغير الناطقين بها. تحفز هذه الخطوات المؤسسات والدول الأخرى على الإسهام في نشر لغتنا، ومد جسور التواصل مع المجتمعات الأخرى عبر إطلاق تجمع على غرار منظمة الفرانكوفونية التي أسستها فرنسا وتستثمر سنوياً ملايين الدولارات لنشر لغتها وثقافتها وحضارتها وتاريخها.
أثبتت اللغة العربية أنها لغة غنيّة وحيّة، قادرة على التكيف مع تغيرات العصر، تتفاعل مع الظروف المختلفة، فقد استعملها العلماء لقرون عدة كلغة العلم والمعرفة، وهي نفسها اللغة التي نستخدمها اليوم في عصرنا الرقمي. إن قوة اللغة تكمن في مدى إنتاجها العلمي والفكري، فاللغة تنتشر وتتوسع من خلال الثقافة والمعرفة التي تغذي شرايينها، وتتطلب أيضاً سياسات تحميها وتصونها، وعلماء يدفعون لغتهم إلى الأمام، بغزارة فكرهم وإنتاجهم، لتعزز اللغة مكانتها على خريطة اللغات العالمية، وتفرض نفسها محلياً وعالمياً لغة العلم والثقافة والفن.