اخلع ساعة الأمس، وانثر دقائقها الأخيرة في سلّة الذكريات البالية.الأمسُ قيدك، هكذا سيظلُّ حتى لو فركت صور الماضي، ولمّعتها، وعلقتها في ممرات الذاهبين إلى حفلة العام الجديد. لن يراك أحد هناك، ولن يسمع صهيل نجواك ملاكُ الشفافية السعيد. كلهم مشغولون بقيامة الوقت وموته وإعادة بعثه من جديد. باللحظة التي تُبدّلُ قناعها في الروزنامة، فيظنها المبتهجون نهاية سأمهم، وبداية ذوبانهم في الضوء الجديد. من أقنع هؤلاء بأن الزمن فكرةٌ مجردة، وأن الأيام تتقلّب في سرير الدهر وتمرضُ أحياناً وأحياناً تموت؟ هل كبر الوهم إلى هذه الدرجة حتى صارت الأعوامُ تُطوى مثل ورقة وتُدسُّ في الأدراج؟ أم أنها الذاكرة هي ما يجعل الحياة زمناً مستمراً لا حدود لبداياته سوى نحنُ. ولا حدود لنهاياته سوى أوراقنا التي ندوّن في بياض فراغها أننا عبرنا يوماً من هنا. وكانت لنا مشاعلٌ وأمنيات وحبيبات عابرات. وكان الكلامُ رجلاً عجوزاً، لكننا ألبسناه ثوب العافية وأطلقناه حراً في قصائد النار. ضحكنا وبكينا ولم نلتفت، إلا والعمر أشيبَ، والدروبُ عرجاء، والسعيُ عودٌ للوراء.
اخلع ساعة الغد، لن ينقذك بريق عقاربها الزاهية. الغدُ سجنك أيضاً، هكذا سيظلُّ حتى لو حملتك يد الخيال بعيداً في الأحلام المؤجلة. هناك، إلى المكان الذي صرت تظنه بحرك الفضيّ، لكنه في الحقيقة سرابُ وعدك، وحفرة وأدك المفتوحة على اللايقين. ما أقسى أن تعيش ممطوطاً بين زمنين، وأنت في الأصل حرٌ، وكاملٌ كيانك، وعدمٌ فراغك. عش لحظة الآن إذن. عشها كلها ذرةً ذرةً، وكن شاهداً على امتلاك مصيرك في يدك. لن تنال روحك الفكاك، إلا إذا تجردت من فكرة الزمن. في لب معناك ينام سر الكون كله، وهذا وحده يكفيك. هكذا ينبغي لك أن تعيش، ضاجاً بالحياة ولائقاً لها. قافزاً فوق وهم البداية والنهاية، وكلتاهما قيدٌ يضيّقان عليك الدائرة. انظر عميقاً، وسوف ترى أن وجودك في الوجود الآن هو الحقيقة الوحيدة. وما قبلها وما بعدها نفيٌ لذاتك، وطمسٌ بقسوةٍ لمعناها.
في كل حفلة رأس عام، عندما يهتف البشرُ باسم نجمة الأمل الجديد. قف معهم قليلاً وصفّق لمسرّة أنك حي هنا الآن. ليس لأن عاماً مضى وآخر قد أتى، ولكن لأنك وحدك فقط من يجمع بينهما، ومن يفرقهما.