كم هو فرح هذا الوطن بعودة أبنائه، وفرح أكثر لأنهم أنجزوا مهمتهم بشرف لإحلال السلام، وعودة الشرعية لإخوان وأشقاء من أرض اليمن الذي لم يعد سعيداً كما كان، عاد أصحاب الأيادي البيضاء التي لم تلطخ بغير فعل الخير، وتأمين روع الناس، وحماية أرواحهم وأموالهم، ولتدم أرض اليمن عربية خالصة كيفما خلقها الإله القدير، وكيفما كانت إرادة اليمنيين على الدوام عبر التاريخ، عاد أبناء الإمارات جنوداً وعسكريين ومدنيين وعاملين في الميدان، وأطباء ومسعفين ورجال دفاع مدني، ومساهمين ومتطوعين من هيئة الهلال الأحمر، وغيرهم من مختلف القطاعات العديدة. عاد أبناء وبنات الإمارات العاملون في اليمن بعد انقضاء مهمتهم التاريخية، مسطرين أروع المثل، وأكرم البطولات، بعدما ودعوا زملاء لهم قضوا نحبهم هناك على تراب اليمن شهداء الواجب، والحق والشرعية، وكيف هي معاني الأخوة والصداقة الحقيقية حين يستدعيك شقيق هو في أمسّ الحاجة لتأمين أساسيات الحياة الكريمة، أمنه، وطعامه وشرابه، غير أن الإمارات كانت تدفع باتجاهات عديدة، دفع دبلوماسي، وإعانات مالية كبيرة، وتواجد ميداني لجنودها وأبنائها في مختلف القطاعات المدنية والعسكرية. كانت الأيادي البيضاء ممسكة بالزناد خوفاً على العباد، وأياد بيضاء أخرى تعمر المنازل والمدارس، تطبب وتعالج، حتى في عز الحرب، أقامت الإمارات أفراحاً للذين أرادوا الزواج لكي يبقى الإنسان اليمني قادراً على الحياة وسط الرماد، وقادراً على صنع الفرح من بين أحزانه، لم تترك حالات إنسانية تطلّب نقلها إلى الخارج للعلاج، فأمّنت لهم علاجاً في الإمارات أو خارجها.
بالأمس، كان مشهد أبناء وبنات الإمارات العائدين لوطنهم، بعد ما أمّنوا بلدهم الثاني اليمن مهيباً، وغير قابل للوصف، ثمة كبرياء، ولحظات من التاريخ حين تؤدي منجزك الإنساني بشرف عالٍ، وثمة هيبة لذلك الحضور الذي شرفه أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الذي كان يشرف على كل ما يجري في الميدان، ويتابع جنوده هناك، متابعة القائد والوالد، لا أدري حينما استعرض حكام الإمارات القوة العائدة من اليمن، وحين وقفوا أمام علم الإمارات لأخذ تلك الصورة التاريخية، تذكرت لحظات رفع المؤسسين ذلك العلم بألوانه الأربعة لأول مرة، بعض اللحظات التاريخية هي التي تفرض مجدها، ووقفة عزها، فلا يملك الجسد إلا تلك الرعدة والقشعريرة التي لا تأتي إلا حينما يرفرف علم الوطن أو حين يذكر الوطن بالفخر، ومعنى الشرف، ولا يصبح القلب إلا خافقاً، وكأنه يريد أن يفلت من قفصه الصدري، لا تسعه الأرض على رحبها، عاشت الإمارات.. وعاش ما فعلت وقدمت وضحّت وخدمت، وعاش أبناؤها الذين ضحوا من أجل ندائها، غير ناسين وصيتها لهم: لتكن أياديكم بيضاء بفعل الخير، ومعنى الشرف، ومعنى الإمارات.