تتبنى الإمارات مشروع التنوير الثقافي في المنطقة ارتكازاً على مجموعة من الأسس والقيم المستمدة من الدين والتاريخ والتقاليد العربية الأصيلة، وأيضاً من قيم الإنسانية العامة والانفتاح على المستقبل.
أول هذه الأسس هو البعد الديني الإسلامي العميق، الذي يقرأ الجانب المشرق من الحضارة الإسلامية، ويستعيد أمثلة الاستنارة والنهوض الثقافي، الذي شكّل ذروة ومجد الحضارة في عصر تأسيس بيت الحكمة في عهد المأمون والاهتمام باللغات والفلسفات والترجمات وقراءة وفهم الآخر، بما أعطى تلك المرحلة الذهبية زخماً للتفوق الفكري وتجاوز الاختلاف الثقافي. ومؤخراً أطلقت الشارقة مشروع (بيت الحكمة) بأسلوب عصري جديد يوفر المادة الثقافية والعلمية ورقياً وإلكترونياً في مساحة رحبة. كما تنتظر دبي قريباً افتتاح مكتبة محمد بن راشد الكبيرة التي تضم ملايين الكتب مدعومة ببرامج ثقافية نوعية كبيرة تسهم فتح حوارات الثقافة على مستوى العالم. أيضاً تقوم أبوظبي منذ سنوات بتأسيس تقاليد ترجمة آداب وثقافات شعوب العالم إلى العربية والعكس، إضافة إلى برامجها الثقافية الكبيرة طوال العام. كل هذه الرحابة في الانفتاح الثقافي إنما هي أصول وتقاليد نستمدها من ماضي الحضارة الإسلامية المشرق.
أيضاً، تؤمن الإمارات بأن العالم اليوم يقوم على مبادئ دولية وأعراف وقيم تُقرها المنظمات والقوانين الدولية. ولا يمكن لأي دولة أن تكتفي بالانكفاء على نفسها، أو أن تغلق الأبواب في وجه الحوار الحضاري والديني. لأن المستقبل مرهون اليوم بمدى مساهمة الدول في الجهود العالمية التي تبحث عن حلول حقيقة لأزمات الثقافة والهوية والفقر ومحاربة الأمية والجهل. لذلك برزت الإمارات دولة تؤمن بالتعايش الثقافي والديني، وتؤمن حد اليقين، بأن الحوار هو الركيزة التي يمكن من خلالها القضاء على الصراعات العرقية والمذهبية. هذا الحوار لا يمكن أن يتم إلا بنبذ الكراهية أولاً، وعدم القبول بالتعصّب أو التطرف أو الانحياز إلى الذات على حساب الآخر، فقط لأنه يختلف عنا عرقاً وديناً ولسانا.
الذهاب إلى المستقبل، معناه أن نعمل اليوم على رفع ثوابت التواصل الحضاري مع شعوب العالم كله. علمتنا التجربة في الإمارات، أن التعايش بين مختلف الجنسيات والثقافات على أرض واحدة أمر ممكن، وهو صلب تطور ونهضة أية أمة. حدث ذلك في الماضي عندما توسعت رقعة الأرض الإسلامية وشملت تحت سمائها ألسن وثقافات شعوبٍ شتى. واليوم تضاءُ سماء الإمارات بهذا التنوع والثراء للمقيمين على أرضها من مختلف الدول والانتماءات.