عندما تتسع دائرة أحلامك، تصبح رغباتك مثل الأسماك الصغيرة الهاربة من فك مفترس، تصبح رغباتك مثل نثار الغبار، تصبح أنت مثل سفينة تتلاطم في صدرها الأمواج العاتية، تصبح أنت مثل الهارب من دخان حريق هائل.
الأحلام عندما تتحول إلى أضغاث، فإنها تحيق بك، وتحرقك، وتمزقك، وتغرقك، وتسرقك، وتخطفك منك، إلى فراغات تضيق بك إلى أن تخنقك. أنت في الأضغاث مثل مملكة نمل تطاردها الريح، أنت في الأضغاث قفص صدري تتهشم أضلاعه بفعل الاصطدام العنيف بعربة زمن متهور.
أنت في الأضغاث خارج إطار الزمن، وفي عنق زجاجة سميكة. أنت في الأضغاث تتجاوز حدود القدرات، وتطير بجناحين من سعفات النخيل.
أنت في الأضغاث تسبح ضد التيار، أنت في الأضغاث، تمتطي ظهر قارب مجاديفه من خرقة بالية. أنت في الأضغاث مثل عربة تشق طريقاً وعرة، تحت خيمة من الضباب الداكن. أنت في الأضغاث كمن يقضم أظافره في ساعة احتدام الوعي، واستعار النار في غرفة العقل.
أنت في الأضغاث، لا تحلم وإنما تمشي في زقاق ضيق تحت جنح الظلام الدامس. أنت في الأضغاث، لا تحلم، وإنما تحكي قصة خرافية لطفل أصابه الأرق في ليل يضج بالصور الخيالية الفجة. أنت في الأضغاث، تسكب الكيروسين على كومة من القش، فتحرق ثيابك، ولا تملك إلا نزع ما ترتديه، لتبدو أمام العالم عارياً، من أشيائك ما عدا الوهم، هو الذي يحيطك، ويطوقك، ويمتلكك، ويستولي على قدراتك، لتصبح أنت الذبابة العالقة في وعاء لزج. أنت في الأضغاث دمية، يحاكيها طفل صغير، وكأنها أمه الرؤوم، ولما لا يجد من ريق يبلل شفتيه الناشفتين، يهم بهدمها، وتدميرها، ورميها في القمامة.
أنت في الأضغاث مثل عبارة نافرة في قصة حياة غير واقعية. أنت في الأضغاث مثل كائن يزين محياه القبيح بمسحوق رديء، فيبدو مسخاً، يبدو نخالة تالفة. أنت في الأضغاث مثل نبتة تائهة في صحراء قاحلة. أنت في الأضغاث ثكنة عسكرية مغلقة، بأسلحة صدئة.
أنت في الأضغاث تحلق ولكن بوعي مغيب، وعقل أصيب بعطب البدائية. هكذا يشيخ الذين في عقولهم ضغث ولا يصحون إلا في لحظة الحشرجة. هكذا يصبح الذين يحتويهم الضغث، فلا هم في الصحو، ولا هم في النوم المريح أنهم في الغمغمة، أنهم تحت وصاية الغمامة، أنهم في حومة طغيان اللا واقع. هكذا هم من يقعون فريسة الأضغاث، تراهم في الواقع مثل نخالة القمح، مثل حثالة الماء الضحل، مثل نحلة امتصت زفير زهرة بلاستيكية.