خيانة الضمير أشد مضاضة من تحطيم قرص الشمس، وأشد فتكاً من تهشيم زجاج غابة بأكملها.
خيانة الضمير هي نتاج تعثر في الاعتقاد، وهي وليدة رحلة طويلة لم ير المرء فيها ضوء القمر.
حروب تشتعل في كل بقعة من بقاع الأرض، لأنّ الضمير في إجازة طويلة الأمد، ولأن الضمير اختصر الطريق إلى الحقيقة، ودخل في الغيبوبة.
الكل يهدد الكل، والكل يدعي أنه امتلك ناصية الصواب، واختلط الحابل بالنابل، ولم يعد من قانون يحكم العالم، إلا قانون القوة.
الضمير هو رمانة الميزان، وعندما يتخلى الضمير عن دوره، فإن الميزان يصبح مثل ناقة عرجاء، تهيم في ضياعها، وتضرب وجهاً في الفراغ، ولا نهاية للشتات.
اليوم وقد بلغ الضمير البشري من العمر عتيا، وقد شاب الرأس فيه، وتجعد الضمير، وأصبح ذاك النصوع، مثل مرآة كساها الغبار، ما عاد الإنسان الحديث يرى وجهه في هذا الظلام، وما عادت له القدرة على رؤية ذلك النمش الذي يكسو محياه، فخرج إلى العالم متباهياً، مغالياً، ومتمادياً، مبالغاً في قدراته، إلى درجة التهور.
غياب الضمير، بالنسبة للإنسان، مثل الموت السريري، فأنت تعتقد أن هذا الشخص حياً يرزق، بينما هو ينازع الروح، وينتظر الحفرة السوداء.
لو شاهدت فيلماً ثقافياً يعرض كيف يمارس الإنسان غيه، وطغيانه بحق الطبيعة، وكيف يتم نزع قرون الفيلة، ووحيد القرن من أجل كسب المال، في بيع هذه القرون لتجار العاج.
لو تأملت هذه المشهد التراجيدي، لعرفت كيف باع الإنسان ضميره في تلك الغابة، وكيف حمل على عاتقه، تحطيم ثوابت الطبيعة، والإخلال في توازنها، والإضرار بمخلوقاتها.
هذا السلوك العدائي للطبيعة، خرج من فوهة موقد النار الذي أحرق أصابع الضمير، حتى بدا هذا الضمير بلا إشارات حمراء توقف زئير العقل البشري، وتصد طوفانه، وترد غليانه، وتردع ثورانه.
وبعد أن أكمل الضمير رحلته في منافي التيه، وصل إلى قمة الهرم المميت، والتفت إلى أخيه الإنسان لينشر الرعب في ربوع العالم، ويشعل الحروب، وتحت ذرائع واهية لا يصدقها عاقل، ومضى في جلب المآسي، وإثارة النعرات، وخلق واقع الفوضى، يفوز فيها من يملك القوة ومن لا يملك يصبح في الدرك الأسفل.
اليوم دول تتناحر، وأحزاب تتضور، وعقائد تتناطح وأفكار تسبح في بحيرات الضحالة، وكل يقول أنا، ومن بعدي الطوفان.
ولو نظرت إلى أصل هذا الصراع، ستجد أن هناك رغبة جنونية للسيطرة، وبسط النفوذ على حساب الآخر، ما يجعل الأفكار أشبه بأفكاك فرس النهر، أنها مفتوحة على آخرها، لالتهام الآخر والقضاء عليه قضاء مبرماً، ولتصبح الطريق خالية من العقبات المعرقلة للوصول إلى الأهداف الأنانية.