السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

سيناريوهات السلام في جنوب السودان

سيناريوهات السلام في جنوب السودان
7 مارس 2020 00:22

سمر إبراهيم (القاهرة)

تسير دولة جنوب السودان قدماً، نحو طي صفحة الحرب الأهلية، التي استمرت نحو 5 سنوات، عقب شهور متواصلة من المفاوضات المتعثرة بين الحكومة والمعارضة المسلحة، وفي سبت السلام(22 نوفمبر الماضي) - كما أطلق عليه البعض - عاد رياك مشار، قائد المعارضة المسلحة، إلى السلطة كنائب أول للرئيس سيلفا كير، لينهي خصومة قادت إلى فتح باب الصراع الدموي بين القبائل في الدولة الوليدة، ليبقى السؤال: هل تنجح دولة جنوب السودان في الحفاظ على السلام، أو أن الاتفاق الجديد يحمل في رحمه عوامل انهياره، والعودة مجدداً إلى دائرة الحرب الأهلية المدمرة؟.. «الاتحاد» سعت للإجابة عن هذا السؤال..

القبيلة تحكم السلام
ربما لا يلتفت البعض إلى تفاصيل الأخبار في جنوب السودان، فكان خبر تأدية أربعة نواب للرئيس اليمين الدستورية، وبقاء منصب النائب الخامس فارغاً إلى إشعار آخر، قد أثار الاستغراب بشأن احتياج دولة مثل جنوب السودان إلى 5 نواب للرئيس، ولكن الانطلاق من أن القبيلة هي التي تحكم التوازنات في هذا البلد الوليد، قد يجعل الأمور أكثر استيعاباً، فهذا المنصب يمثل رمانة الميزان لتمثيل القبائل..
فإلى جانب مشار وتعبان دينق اللذين ينتميان إلى قبيلة «النوير»، هناك جيمس واني إيقا الذي ينتمي إلى القبائل النيلية الحامية «الباريا»، وربيكا قرنق أرملة الزعيم الراحل جون قرنق من قبيلة «الدينكا»، وحسين عبدالباقي من «الدينكا».
والنزعة القبلية هي «أم كل الأزمات» في جنوب السودان، وتظهر جلياً في الصراع القبلي بين «الدينكا»، و«النوير»، وهو صراع تستخدم فيه القبيلة لطمس صراع مصالح على السلطة والثروة بين قوات سيلفا كير ورياك مشار.
ويرى مراقبون، في تصريحاتهم لـ«الاتحاد»، أن النزعة القبلية والتوازنات السياسية، فرضت نفسها على تشكيل هيئة رئاسة الجمهورية بجنوب السودان، حيث ينتمي الرئيس ونائبان له لـ«الدينكا»، فيما حصلت قبيلة «النوير» على مقعدين بمناصب نواب الرئيس، وانتمى نائب آخر لــ«الباريا» التي تُعد أبرز مجموعات قبائل النيليين الحاميين.
وأكد مراقبون، أن الصراع القبلي انعكس أيضاً على ملف عدد وحدود ولايات جنوب السودان، مما أجج صراعاً سياسياً بين أطراف الأزمة، حيث صمم رياك مشار وحلفاؤه على العودة إلى التقسيم الإداري القديم الذي يقوم على 10 ولايات بدلاً من 32 ولاية، ووضع رياك مشار ملف الولايات شرطاً أساسياً لإنفاذ بنود السلام، والمشاركة في تشكيل الحكومة التي تأجل تشكيلها مرتين.

ضغوط دولية
نجحت ضغوط دولية وإقليمية، في دفع سيلفا كير لقبول مطلب المعارضة، وتقليص عدد الولايات لـ 10، بالإضافة إلى 3 مناطق إدارية، هي: روينق، بيبور الكبرى، وأبيي، وهي أهم المناطق المنتجة للنفط والذهب والثروة الحيوانية بجنوب السودان، واعتبر رياك مشار أن تشكيل المناطق الإدارية الثلاث بمثابة التفاف على الاتفاق، وطالب سيلفا كير بإعادة النظر بفكرة إنشاء مناطق إدارية، محذراً من ذلك القرار، لأنه قد يؤدي إلى مشاكل إضافية.
وقال مصدر حكومي مطلع بجنوب السودان، لـ«الاتحاد»: إن الحكومة الانتقالية الجديدة سوف تتولى ملف الولايات، وستبحث مطلب كل منطقة وولاية، موضحاً أنه سيتم تشكيل لجنة معنية بذلك الملف، تتلقى مطالب سكان الولايات لمعرفة الآراء حول الإبقاء على 10 ولايات أو العودة إلى 32 ولاية، مؤكداً أنه إذا فشلت الحكومة في ذلك، فسيتم إحالة الأمر لاستفتاء شعبي.
ويقول تيكواج بيتر، الباحث الجنوب سوداني بجامعة القاهرة: إن هناك صراعاً بشأن الهوية القبلية والسياسية لرئيس البرلمان القومي، الذي لا بد أن يراعي التوازن القبلي بين مؤسسة الرئاسة والحكومة والبرلمان.

تسوية «هشة»
على الرغم من الاتفاق الأخير، وعودة رياك مشارك إلى جوبا، إلا أن المشهد السياسي في جنوب السودان تسوده حالة من الضبابية، لا سيما فيما يتعلق بمستقبل الدولة سياسياً واقتصادياً، وبحسب خبراء سياسيون لـ «الاتحاد»، فإن هناك مخاوف من تجدد الصراع بجنوب السودان، وانزلاق البلاد في الحرب الأهلية، وانهيار اتفاق السلام.
ويقول صلاح خليل، الباحث السوداني بمركز الأهرام للدراسات التاريخية: إن التسوية السياسية التي شهدتها جنوب السودان «هشة»، ولا يمكن ضمان استمرارها بهذا الشكل، خاصة أنها تمت بضغوط من الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الأزمة، وخاصة أميركا وإثيوبيا والسودان، مشيراً إلى أن أديس أبابا والخرطوم يبحثان عن استقرار للأوضاع الداخلية بدولة الجنوب، حتى لا تتأثر بلادهم بمزيد من عدم الاستقرار الداخلي.
وأضاف خليل لـ «الاتحاد»، أن دول الترويكا الثلاث «الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، والنرويج»، فضلاً عن مفوضية الاتحاد الأفريقي، مارست ضغوطاً مكثفة على سيلفا كير ورياك مشار، من أجل تشكيل الحكومة، وعودة الأخير لجوبا، وتعيينه في منصبه، للبدء في المرحلة الانتقالية، والتي تمتد لـ 36 شهراً حسب الاتفاق.
وأشار صلاح خليل، إلى أن هناك أسباباً عدة لاحتمال تجدد الحرب الأهلية، أبرزها عدم تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، وهو البند الضامن لإندماج قوات المعارضة مع قوات الجيش النظامي لتأسيس مؤسسات جيش وشرطة وجهاز أمن قومي موحدة، هدفها حماية الدولة، وولاؤها للدستور فقط، بعيداً عن أي انتماءات قبلية وسياسية، ومن ثم فإن الصراع السياسي الكامن في نفوس الفرقاء إذا تجدد وبرز على الساحة السياسية، فإنه من المرجح أن يستدعي كل فريق لقواته ليعود الصراع المسلح، وأكد أن هناك عدداً من الخصوم السياسيين للرئيس، يرون في أنفسهم الأحقية في قيادة البلاد، وشكلوا لهم عناصر مسلحة، واستقطبوا عناصر أخرى من الجيش، وهؤلاء الخصوم يُعدون شوكة في ظهر حكم الرئيس سيلفا كير، ويشكلون تهديداً مباشراً له ولنظامه.

الوزارات السيادية
وكان من المقرر، إعلان حكومة جنوب السودان الجديدة في 22 فبراير الماضي، ولكن خلافات القوى السياسية حول المرشحين للحقائب الوزارية، فضلاً عن الصراع على توزيع الوزارات السيادية، دفع إلى تأجيل إعلان الحكومة حتى إشعار آخر، وحسب بنود اتفاق السلام، تتضمن الحكومة الانتقالية 35 وزيراً، و10 نواب للوزراء، على أن يحصل حلفاء سيلفا كير على 18 حقيبة وزارية، و10 وزارات لحلفاء رياك مشار، و7 وزارات لباقي قوى المعارضة.
واندلعت الحرب الأهلية في جنوب السودان عام 2013، على إثر خلافات بين سيلفا كير ونائبه الأول رياك مشار، ليعلن كير عن إقالة الأخير من منصبه، وبدء فصل جديد من النزاع بينهما. وبضغوط دولية وإقليمية، هدأت الحرب بعدة أشهر، ووقع الطرفان اتفاق سلام عام 2015، ولكن فشل الطرفان في تطبيقه، لتندلع الحرب مجدداً في 2016، وفر رياك مشار إلى الكونغو الديمقراطية، ومنها إلى جنوب أفريقيا، ليستقر في السودان تحت الإقامة الجبرية.
وفي سبتمبر 2018، شهدت أديس أبابا، التوقيع على اتفاق السلام بين كير ومشار، برعاية الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا «الإيجاد»، في محاولة لإحياء اتفاق سلام 2015. وتضمنت بنود اتفاق السلام: الوقف الفوري لإطلاق النار، نزع السلاح من الأطراف المتحاربة، تشكيل حكومة انتقالية، بناء جيش وشرطة وطنية، إعادة تأهيل البنية التحتية لحقول النفط بالتعاون مع حكومة السودان، إفساح المجال لوصول المساعدات الإنسانية، وتعيين 4 نواب للرئيس، بالإضافة إلى مشار نائباً أول.

سلام في أرض «الأزمات»
جاء تنفيذ اتفاق السلام، وسط أوضاع إنسانية بالغة الصعوبة في جنوب السودان، حيث نزح نحو ثلث السكان إلى دول الجوار حتى نهاية نوفمبر 2019، فضلاً عن مئات الجرحى والقتلى. وحسب تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، هناك ما يقرب من 5.3 مليون من سكان جنوب السودان، معرضين للجوع في جنوب السودان، نتيجة للحالة الاقتصادية المتردية التي تعرضت لها الدولة نتيجة الحرب الأهلية.
وأوضح مراقبون، أنه لا يعقل أن يتم تعيين 35 وزير فضلاً عن 10 نواب للوزراء، و5 نواب للرئيس، و550 عضواً بالبرلمان القومي، في دولة تشهد تردياً في أوضاعها الاقتصادية، فهذا يُعد استنزافاً للاقتصاد الوطني.
وتحتل دولة جنوب السودان المرتبة 186 من أصل 189 في مؤشر التنمية البشرية، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كما يعيش ما يقرب من 82% من الشعب تحت خط الفقر، بحسب مجموعة البنك الدولي في 2018.
ويقول باطومي أيول، الباحث الجنوب سوداني بمركز دايفيرسيتي للدراسات الاستراتيجية: إن التحدي الأصعب بالنسبة لطرفي الخلاف، هو الوصول إلى حل شامل ونهائي، بشأن بند الترتيبات الأمنية كما نص عليها الاتفاق، مشيراً إلى أن هناك تخوفات من اندلاع أزمة بشأن هذا الملف مجدداً.
وأضاف أيول لـ «الاتحاد»:أن التحدي الآخر هو آلية اتخاذ القرار، حسب ما جاء في الاتفاق بشأن مؤسسة رئاسة الجمهورية، إذ نص الاتفاق على إنه إذا اعترض 2 من نواب الرئيس يصبح قراره باطلاً، ومن ثم هذا البند ينذر باحتمالية نشوب أزمة بين كير ومشار، لا سيما أن الانتماء القبلي للرئيس (قبيلة الدينكا)، تسيطر على العدد الأكبر من نوابه.
وأشار الباحث، إلى أن هناك مشكلة أخرى تتعلق بتمويل اتفاق السلام، الذي يُعد عقبة هامة في تحقيقه، بتوفير مبلغ قدره 285 مليون دولار، فضلاً عن أهمية توافر إرادة سياسيةً جادة لدى جميع الأطراف في تحقيق انتقال سياسي سلمي للسلطة.
وتم تمديد الفترة ما قبل الفترة الانتقالية مرتين، لإنهاء تلك الخلافات بشأن القضايا العالقة في الاتفاق، وفي مطلع نوفمبر من العام الماضي، اتفق الفرقاء بجنوب السودان على تمديد فترة ما قبل الفترة الانتقالية، وتأجيل إعلان تشكيل الحكومة الانتقالية 100 يوم، اعتباراً من يوم 12 نوفمبر الماضي، لتنفيذ بنود اتفاق السلام العالقة بين الحكومة والمعارضة، وذلك خلال قمة ثلاثية بالعاصمة الأوغندية كمبالا.

ضوء في نهاية النفق
مع ظهور الضوء في نهاية النفق، بعودة رياك مشار، والتقاط صور جديدة للسلام في جنوب السودان، فإن الجميع يراقب الصراع السياسي الذي لن ينتهي بين ليلة وضحاها في جوبا، وكل الأطراف الإقليمية ومعها أبناء جنوب السودان، يتحسبون لـ«شيطان التفاصيل»، الذي قد يعيد الصراع مجدداً في ملف الولايات وحدودها، والجميع يخشى تجدد نزف الدم بجنوب السودان.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©