الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أوديت دي بويغودو.. أسيرة البيداء

أوديت دي بويغودو.. أسيرة البيداء
19 مارس 2020 00:00

محمد نجيم (الرباط)

قضت الباحثة الفرنسية أوديت دي بويغودو حياتها تكافح من أجل الحفاظ على ثقافة عرب الصحراء «البيضان» وعاداتهم وطقوسهم، ولأجل ذلك جالت العالم الصحراوي الحسّاني بين 1933 و1960، لتخرج بكتابها المهم «فنون وعادات البيضان» الذي يعتبر اليوم أحد أهم المراجع التي اهتمت بالثقافة الحسّانية وثقافة البيضان في المغرب.
مؤخراً أصدر مركز الدراسات الصحراوية في المغرب الترجمة العربية للكتاب، مستعيداً جهود مؤلفته الباحثة الفرنسية التي عاشت في المغرب، وتوفيت في الرباط سنة 1991.
أواخر سنة 1933، قامت برحلة، إلى موريتانيا التي كانت تعيش آخر مراحل فرض الاستعمار الفرنسي للتهدئة الشاملة. هناك وقعت أسيرة لسحر البيداء المترامية الأطراف، وفتنتها القدرة الإبداعية المدهشة لسكانها على التكيف مع شظف العيش في ظروفها الطبيعية القاسية. أبهرتها موهبتهم في تحويل أبسط أشياء الحياة اليومية إلى تحف فنية رائعة، والشاعرية التي ينظرون بها إلى الوجود وعقلانية تدبيرهم لشح الموارد والأريحية التي بها يمنحون الضيافة للغريب، فأخذت على عاتقها أن تلتقط بوساطة الرسم والكتابة ملامح هذا المجتمع، مستشعرة ما هو مقبل عليه من تحولات متسارعة لن ينجو منها أي قطاع من قطاعات طريقته في الحياة التي تعيد إلى الأذهان طرق العيش القديمة، ووجدت في مواهبها في الرسم ودقة الملاحظة العلمية والفنية خير معين على ذلك.
لم تقم أوديت بالرحلة وحدها، بل شاركتها ماريون سينون دون أي دعم أو تكليف رسمي. وقطعتا، خلال عام، أربعة آلاف وخمسمائة كيلومتر من المفازات الصحراوية. انطلاقاً من بور إتيان (نواذيبو حالياً)، وعلى امتداد مسالك القوافل ومسارات الترحال، والتقتا علماء شنقيط وفقهاء ودان. وتنقلتا على ظهور الإبل، وحتى على الأقدام، وعاشتا مع الرُّحل في مخيماتهم كما لو أنهما ترعرعتا معهم، تجولتا في تجمعات الصيادين ومدن القوافل وقصور الواحات وقرى الزنوج، وأجرتا بحوثا أركيولوجية ونباتية وإثنولوجية.‏
شكلت الرَّحَّالتان، برأي مترجم الكتاب، بالنسبة للآلة الدعائية الاستعمارية، بما أنهما امرأتان تتنقلان بكل حرية وأمان في أرجاء الصحراء، دلالة على قوة فرنسا ومتانة الأسس التي فرضت بها التهدئة على موريتانيا، أما بالنسبة للبيضان، فكانتا مثار استغراب، وهما اللتان تترحلان مثل المحاربين وتمتطيان الإبل على طريقة الرجال وترتديان «السراويل» مثلهم!، لكنهما أبعد ما تكونان عن إعطاء الانطباع بكونهما غازيتين أو تنتميان إلى الغزاة، فقد أحبتا هذه الأرض التي يشعر فيها الإنسان بأنه كائن إنساني يقف على قدمين.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©