الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

هل يرتقي بنا كوفيد-19؟

هل يرتقي بنا كوفيد-19؟
20 مارس 2020 00:07

تطورت حياة البشر بسرعة فائقة لا تناسب تطور آلياتهم النفسية. لدرجة أن عقولنا لازالت تعمل بطريقة تلائم نمط الحياة في «العصر البلاستوسيني»، حين عاش الإنسان في حقول السافانا يجمع الطعام ويلاحق الطرائد.. إلى اليوم، لا تستطيع عقولنا استيعاب إلا ما كانت تتعامل معه منذ آلاف السنين.. فأنت مثلاً تستطيع تخيل الأعداد الصغيرة بسهولة، كالفرق بين برتقالة واحدة وخمس برتقالات.. لكن هل تستطيع تخيل ستمائة برتقالة؟ ألف وثلاثة وخمسين برتقالة؟ لدينا «عمى أرقام» يمنعنا من تخيل ما يتجاوز التجربة الحسية المباشرة للإنسان البدائي جامع الثمار.. كان الناس يعيشون في جماعات صغيرة، لذلك لا يستطيع العقل تخزين ما يزيد على 150 شخصاً تقريباً.. لو أحضرت ورقة وقلماً وكتبت كل الذين تعرفهم وتذكر أسماءهم، من النادر أن تتجاوز هذا الرقم، الذي سمي «عدد دنبار» نسبة للباحث الذي اكتشفه.. حين تنظر للأسماء المخزنة في هاتفك أو أصدقائك على الفيسبوك.. ستجد أنك لا تذكر كثيراً منهم لأن عقلك غير معتاد على التعامل مع علاقات كثيرة بهذا الشكل.. لم تكن هناك وسائل اتصال وتواصل.. ويرى البعض أن عدد دنبار هو سبب انهيار المؤسسات العملاقة ذات القرار المركزي إذ تضخمت وتوسعت أكثر من اللازم، لأن كل فرد لا يستطيع التعامل مع كم هائل من البشر.. وهو ما يقتضى تصميم هياكل تنظيمية لا مركزية، كالمؤسسات العرضية التي تتيح قدراً كبيراً من التفويض وتوزيع سلطة اتخاذ القرار على مستويات عديدة، بدلاً من الهرم التنظيمي التقليدي.
حسناً.. ما علاقة كل هذا الكلام بوباء كورونا أو كوفيد-19؟
في عصر يتطلب المزيد من الحكمة والاستنارة، ما زال العقل البشري بدائياً.. لهذا عجز الناس عن حل المشاكل التي تتجاوز جماعاتهم وانتماءاتهم ومصالحهم الضيقة.. كالتعامل مع مشكلة تغير المناخ مثلاً.. إلى أن أتى وباء كورونا الجديد ليضعنا أمام هذا التحدي العاجل..
أكثر من أي وقت مضى، يحتاج الإنسان للتخلي عن الآليات النفسية القديمة والقيم والأفكار التي كانت مناسبة لجماعات بشرية تواجه صراعاً على الموارد وأخطار محدودة التأثير.. اليوم نواجه خطراً عالمياً يقتضي العمل معاً، باختلاف أدياننا وثقافاتنا وانتماءاتنا.. ففي النهاية كلنا بشر ضعفاء نعيش على قشرة أرضية رقيقة تحيطنا تهديدات كونية من كل صوب.. لم نعد جامعي ثمار نحتمي بقبيلتنا من الأسد، بل بشر في القرن الحادي والعشرين يواجهون خطراً يحتاج تكاتف الحضارة الإنسانية كلها..
فهل يرتقي الإنسان -بأفكاره وقيمه وطريقة تفكيره- بما يناسب هذا التهديد الوجودي الجديد؟
هل سنخرج منه أكثر نضجاً وقد أدركنا أهمية الرؤى التي توحدنا وتجعلنا أكثر تعاونا، ومدى خطورة ما يفرق ويبذر الكراهية والفرقة بين البشر؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©