عدد اليوم
اللحظة التي نعيشها اليوم تشكّل مختبراً تاريخياً لشكلٍ جديدٍ من العمل، وهو العمل عن بعد. إننا نعيش «بروفة» لبيئة العمل المستقبلية، حيث لا داعي لمراكز الخدمة الثابتة، ولا حاجة للتنقل بكثافة على الطرق من أجل إنجاز الأعمال والمعاملات اليومية. وبصرف النظر عن مستوى نجاح التجربة في هذا المكان أو ذاك، فمن المؤكد أننا سنخرج من هذه المرحلة بدروس وعبر.
فكرة العمل عن بعد ليست جديدة بحد ذاتها، فهي تداعب خيال المخططين المستقبليين قبل كورونا بسنوات. وقد أظهرت دراسة لجارتنر أن العام 2030 سيشهد زيادة بنسبة 30% في العمل عن بعد، نتيجةً لدخول جيل «Z» إلى عالم العمل. ولمن لا يعلم، فإن جيل «Z» يشير إلى من ولدوا بين عامي 1995 و 2010، وهؤلاء يمتازون بتعاملهم الاحترافي والمبكر مع التكنولوجيا المعاصرة.
التكنولوجيا هي الممكّن الأبرز للعمل عن بعد، ولكنها في الوقت نفسه تمثل التحدي الأكبر. وقد عبر 54% من قادة الموارد البشرية الذين استطلعتهم «جارتنر» بأن أبرز تحديات العمل عن بعد، يتمثل في ضعف البنية التحتية للتقنيات الرقمية المطلوبة. وأول درس سنضعه في اعتبارنا بعد تجربة كورونا، هو ضرورة تطوير برامج وأنظمة للعمل عن بعد، تمكّن المديرين والمسؤولين من قياس الأداء والإنتاجية، ومتابعة آليات العمل بصورة انسيابية ومنسقة.
في هذا الموضوع، الكلام النظري شيء والواقع قد يكون مختلفاً، فهنالك أسئلة عديدة يتعين الإجابة عنها قبل القول إننا جاهزون لهذا الشكل من العمل. يتساءل المديرون، مثلاً، عن كيفية التأكد من حسن استخدام الموظفين لفرصة العمل عن بعد، وعن آليات التقييم عن بعد. أما الموظف، فربما تصدمه التجربة الجديدة وغير المعتادة، وقد يفقد دافعيته نتيجة انعدام التغيير المتمثل في خروجه من البيت، وقد يواجه مشاكل تقنية تحول دون إنجازه لأعماله، وربما يشعر بشيء من التجاهل وعدم التقدير. فيما يخص المؤسسة، تبرز الأسئلة التنظيمية في الواجهة: هل هنالك إطار قانوني؟ هل توجد سياسات وأدلة مفهومة وواضحة؟ هل توجد آليات لقياس الإنتاجية؟
اليوم، نحن أمام فرصة. عما قريب سوف ينجلي غبار الكورونا، بإذن الله. وسيكون على كل مؤسسة أن تجري تحليلاً شاملاً لمدى جاهزيتها للعمل عن بعد، بما في ذلك البنية التحتية والأطر التنظيمية. ويشمل ذلك ضرورة تقسيم الوظائف ضمن ثلاث فئات: وظائف غير قابلة للعمل عن بعد، وظائف يمكن لها العمل عن بعد ولكن بتكلفة عالية، وفئة ثالثة هي الوظائف القابلة للتنفيذ عن بعد بسهولة، ووضع خطة تنفيذية لكل فئة من هذه الفئات. وللحديث بقية.
