الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

تزايد التعامل بالدولار يزيد عدم المساواة في فنزويلا

تزايد التعامل بالدولار يزيد عدم المساواة في فنزويلا
31 مارس 2019 02:18

تقود فنزويلا حكومة اشتراكية إلا أنها في الوقت ذاته تعتمد بشكل متزايد على رمز قوي للرأسمالية الأميركية وهو الدولار.
يشعل هذا الاتجاه عدم المساواة المتنامية بين فئتين من الشعب الفنزويلي، الأولى تضم الذين يملكون الدولار الأميركي، والثانية الذي يملكون العملة المحلية التي تتقلص قيمتها على نحو متزايد. هذه الفجوة كانت كبيرة بالفعل خلال السنوات الماضية، إلا أنه مع عدم توفر ماكينات الدفع الآلي عن طريق بطاقات الحسابات البنكية، ومع عدد قليل من الناس يحملون كميات هائلة من العملة المحلية (البوليفار) اللازمة لشراء السلع، أصبح الدولار وسيلة الدفع الأساسية في البلاد.
وقال لويس ميندوزا وهو عامل بناء «المتاجر الكبرى التي فتحت أبوابها في البلاد تقبل الدفع فقط نقداً أو بالدولار، ولا تعطيك باقي النقود التي دفعتها. فإذا كان لديك ورقة بـ 50 دولارا، فعليك إنفاقها بالكامل داخل المتجر».
وتتدفق العملة إلى فنزويلا من الخارج، حيث ترسل أعداد متزايدة من المهاجرين الفنزويليين الفارين من المشكلات التي تعاني منها البلاد، أموالاً أو تحويلات مالية إلى أفراد أسرهم الذين ما زالوا موجودين هناك. ولكن جاكسون دي أفيلا الذي يعمل حارس أمن في العاصمة كاراكاس، ويتلقى راتبه بالعملة المحلية البوليفار، ليس ممن يحصلون على الدولارات من أقاربهم بالخارج.
وقال جاكسون «إن الهوة بين أولئك الذين يتلقون الحوالات المالية بالدولار وأولئك الذين ليس لديهم هذه الميزة تتزايد في كل دقيقة، بينما تستمر الأسعار في الارتفاع. لا أستطيع حتى تحمل توفير الطعام لأطفالي. فما أحصل عليه مقابل يوم عمل يستمر لمدة 12 ساعة يكفي لشراء 3 أرطال فقط من الجبن».
ويقول الاقتصاديون إن أكثر من ربع الفنزويليين، أي نحو 8 ملايين شخص، يستخدمون الآن الدولار في المعاملات اليومية العادية، من شراء الآيس كريم إلى دفع تكاليف إصلاح السيارات. فقد اكتسب التعامل بالدولار زخماً منذ أغسطس الماضي عندما ألغت الحكومة النظام القديم الخاص بتبديل العملات الأجنبية، وتجريم بعض المعاملات المالية وتحرير سوق العملات. لذلك ازدهرت التحويلات المالية وتدفق الناس على المنافذ الخاصة غير الحكومية لتحويل الأموال.
وقال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في القطاع المالي في فنزويلا إن حكومة كاراكاس لا تستفيد بشكل مباشر من التحويلات المالية «كل الناس لديهم تصور بأن هذه استراتيجية حكومية لجمع الأموال، إلا أن هذا الأمر يعد بمثابة صمام يساعد الناس على البقاء على قيد الحياة».
وتعد الأزمة الاقتصادية في فنزويلا الأعمق في أميركا اللاتينية، فقد أسفرت عن تقليل حجم الإنتاج في البلاد بأكثر من النصف وأدت إلى نزوح 3.4 مليون فنزويلي إلى الخارج، أي أكثر من 10 في المئة من السكان، خلال السنوات الثلاث الماضية، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
ومن المتوقع أن يرسل المهاجرون الفنزويليون نحو 4 مليارات دولار إلى ذويهم داخل فنزويلا هذا العام، ويعد ذلك ارتفاعا كبيراً مقارنة بالتحويلات المالية التي بلغت في العام الماضي 1.9 مليار دولار، كما يقول الاقتصاديون. وأضافوا أن 1.5 مليار دولار أخرى ستأتي من الفنزويليين الذين يسحبون أموالاً من حساباتهم البنكية بالعملات الأجنبية هذا العام.
وقال إدواردو فورتوني، رئيس شركة ديناميكا فنزويلا، وهي شركة للاستشارات المالية، إن هذه الأموال تسير على الطريق الصحيح، حيث ستتجاوز الأموال الواردة من التحويلات الخارجية صافي إيرادات النفط هذا العام والتي تبلغ 4.7 مليار دولار، مشيراً إلى أن صناعة النفط في فنزويلا تتراجع بسبب سوء الإدارة في فنزويلا إضافة إلى العقوبات الأميركية. وقال فورتوني «التعامل بالدولار هو جوهر التحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد يعتمد على التحويلات الخارجية، إنه تغيير هيكلي كبير يحتاج إلى إعادة تكيف واسعة».
وقال الخبير الاقتصادي أسدربال أوليفروس، مدير شركة إكواناليتشا للاستشارات المالية إن ارتفاع قيمة الدولار في الاقتصاد غير الرسمي في فنزويلا يزيد تفاوت الدخل ويخلق حقيقتين اقتصاديتين في البلاد.
وقال أوليفروس إن الأشخاص الذين لديهم دولارات من الخارج، أو أصول بالدولار أو شركة تربط الأسعار بالدولار، يمكن أن تتحسن أوضاعهم المالية بشكل أفضل برغم الانكماش الاقتصادي الحالي، وأضاف إن الباقي، أي نحو ثلاثة أرباع السكان البالغ عددهم 30 مليون نسمة، يرون أن قوتهم الشرائية تتلاشى وسط ما يقدره الاقتصاديون المستقلون بأنه معدل تضخم سنوي قياسي يبلغ 2 مليون في المائة.
ويقول المتعاملون في سوق الصرف الأجنبي إن نحو ثلثي المستفيدين من التحويلات هم من النساء اللائي يحصلن على المال من الأقارب الذكور الذين غادروا فنزويلا للعيش في شيلي وكولومبيا والإكوادور وبيرو وإسبانيا.
وتقوم إيزابيل كاسترو بإدارة مشروع خيري يعتمد على إعداد الطعام في حي إل كارديون الفقير على التلال الواقعة جنوب غرب العاصمة كراكاس، وتقول إيزابيل إنها تعتمد على التبرعات التي تقدمها الجمعيات الخيرية والأقارب في الخارج لمساعدة الأسر الفقيرة. وتحاول إيزابيل تنفيذ خطتها لتحويل مكب النفايات القريب من الحي إلى ساحة لممارسة الرياضة، وقالت «كل شيء يتم شراؤه بالدولار، قضبان الصلب أو أكياس الأسمنت اللازمة لبناء مرافق تُمكن الأطفال من اللعب أو مقاعد إسمنت بسيطة»، مضيفة أن 20 من أصل 52 أسرة يدعمها مشروعها الخيري تعتمد على عائل واحد فقط بسبب الهجرة إلى الخارج.
وفي حي تشاكاو الراقي في كاراكاس، كان مانويل روندون يبيع مؤخرا كوب المثلجات مقابل 2000 بوليفار لكل كوب، أو كوبين مقابل دولار واحد، و«في بعض الأيام، تكون نصف مبيعاتي بالدولار»، هذا ما قاله المظلي السابق الذي انسحب من الجيش بسبب الراتب الضعيف الذي لا يكفي عائلته ليبيع المثلجات. ويكسب مانويل في 3 أيام ما تكسبه زوجته، وهي عاملة في إحدى البلديات، في شهر واحد. وأضاف مانويل «تدربت في فريق القناصة وكخبير في المتفجرات. ولكن ماذا يساوي كل ذلك؟ صفر».
ويقول إيفراين فيلاسكيز، رئيس شركة أيه جي بي في، وهي شركة استشارات اقتصادية مقرها كاراكاس، إن تحرير العملة الفنزويلية يأتي في ظل عدم قدرة الحكومة على دفع ثمن واردات السلع الأساسية أو احتواء التضخم المتفجر أو وقف التدهور الاقتصادي الحاد. وتضمنت الإجراءات التي تم إقرارها في أغسطس زيادة قدرها 5900 في المئة في الحد الأدنى للأجور، الأمر الذي دفع العديد من أصحاب الأعمال إلى ربط أسعار سلعهم وخدماتهم بالدولار.
وقال كارلوس سيزار أفيلا، الذي يمتلك فرانكا، وهي سلسلة مقاه فاخرة ومتاجر المعجنات في كاراكاس «كان الأمر يشبه الانهيار الجليدي، ولم نكن نعرف ما إذا كنا سنكون قادرين على امتصاص الصدمة. قررنا مضاعفة الأسعار وربط الزيادات بسعر الصرف الأجنبي. الكل فعل نفس الشيء».
عندما بدأ هو وزوجته ناتاليا في مراجعة التكاليف، أدركوا أن أسعار معظم المواد الخام قد تم تحويلها إلى الدولار بالفعل. وقال «في كل اقتصاد اشتراكي يوجد سوق سوداء رأسمالية».

بقلم /‏‏ سانتياغو بيريز

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©