السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوروندي... وتحديات إدماج «المسلحين» السابقين

بوروندي... وتحديات إدماج «المسلحين» السابقين
22 يونيو 2009 23:46
بعد عمله ثماني سنوات كجندي مقاتل في واحد من أكثر النزاعات الأفريقية دموية، أُرسل كريستوف منانا إلى بلدته بعد أن سُلمت له 40 دولاراً وسروالان وراديو «ترانزيستور» من النوع الرديء. وليس هذا كل شيء، فبعد شهر، سيتسلم أيضاً أربعين دولاراً أخرى. ولكن، بعد ذلك سيتعين عليه أن يتدبر أموره بمفرده. ولذا يتساءل «منانا» الآن بعد أن مُنح بطاقة هوية بوروندية جديدة واقتيد إلى شاحنة متجهة إلى بلدته الأصلية: «كيف سأستطيع بدء حياة جديدة بهذه النقود الضئيلة؟ كيف يعطونني هذا المبلغ الزهيد بعد كل ما مررتُ به؟». غير أن هذا الحال بالنسبة لبوروندي، البلد الصغير ذي الـ8 ملايين نسمة والواقع بين تنزانيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية، يمثل لحظة أمل حقيقية. ففي أبريل المنصرم، ألقى «منانا» وآلاف المقاتلين الآخرين من «قوات التحرير الوطني»، وهي آخر جيش متمردين في البلاد، أسلحتهم، إيذاناً بانتهاء الفصل الأخير من الحرب الأهلية البوروندية التي دامت 16 عاماً وأسفرت عن مقتل نحو 300 ألف شخص، ونزوح أزيد من مليون آخرين. وفي هذا الإطار يقول «سيفرين نداباروشيمانا»، العضو المخضرم في المجلس الحاكم لقوات التحرير الوطني: «إن الصراع مستمر؛ ولكنه هذه المرة صراع سياسي، وليس مسلحاً». ومن أصل المقاتلين الـ21100 الذين أعلنت عن تسريحهم مليشيا «قوات التحرير الوطني»، يتم حالياً إدماج 3500 ضمن قوات الجيش والشرطة، في حين سيخضع 5000 آخرون لعملية إدماج طويلة تشمل دورة تثقيفية لمدة أسبوع يتلقون خلالها دروساً حول مواضيع مختلفة من الخدمات المصرفية للأفراد، والوقاية من الإيدز، إضافة إلى منحة مادية يصل مجموعها نحو 500 دولار. ويعد «منانا» واحداً من 11 ألف مسلح سابق، يتم إرسالهم ضمن مجاميع أخرى حالياً إلى مدنهم وبلداتهم بعد أن يسلَّم لكل واحد منهم مبلغ 80 دولاراً لا غير، وهو ما يقابله شعور قوي بالحيف وعدم الرضا في صفوفهم. ولأنهم غير معتادين على الحياة المدنية، فإنهم يمكن أن يشكلوا برميل بارود من الاستياء، قد ينفجر في أية لحظة. وللتذكير فإن دولة بوروندي هي التوأم المنسي لجارتها رواندا؛ فالبلدان يشتركان في نفس الخليط الإثني: نحو 85 في المئة من الهوتو و15 في المئة من التوتسي. وإذا كان الهوتو الذين يشكلون الأغلبية قد استولوا على السلطة في رواندا، فإن الجيش الذي يهيمن عليه التوتسي سيطر على مجريات الأمور في بوروندي. وخلال عقود من الديكتاتورية والفصل الإثني، رد الجيش بوحشية على محاولات الهوتو الوصول إلى السلطة. وعقب تمرد فاشل في 1972، قُتل نحو 200 ألف من الهوتو بشكل ممنهج وأُرغم نحو 300 ألف آخرين على الفرار من البلد. وفي 1993، لاح في الأفق بريق من الأمل بعد انتخاب أول رئيس بوروندي من الهوتو بشكل ديمقراطي هو ميلكيور نداداي. غير أنه في غضون ستة أشهر قُتل في انقلاب. وحين انطلقت شرارة جرائم الإبادة في رواندا في أبريل 1994، كانت بوروندي قد سقطت في حرب أهلية. واليوم، اختار البلدان طريقين مختلفين للتعامل مع مشاكلهما الإثنية. فبينما اختارت رواندا سياسة دفن الفروقات الإثنية ونسيانها عبر حظر استعمال كلمتي «هوتو» و«توتسي»، فإن بوروندي عمدت إلى مأسسة التمييزات الإثنية. فقُسم الجيش، الذي كان في وقت من الأوقات معقلا لهيمنة التوتسي، إلى 50 في المئة - 50 في المئة؛ في حين قُسمت الحكومة إلى 60 في المئة للهوتو و40 في المئة للتوتسي. وحسب جوزيف نداييزيي، نائب رئيس منظمة «إيتيكا» المحلية لحقوق الإنسان، فإن سياسة الانفتاح الإثني هذه تعني أن التوترات بين الأهالي قد طويت؛ غير أنه إذا كان من الممكن في الوقت الراهن إرجاء النظر في الاختلافات الإثنية إلى وقت لاحق، فإن ثمة مشكلات أكثر استعصاءً على الحل. فبوروندي، التي تصنف ضمن أفقر البلدان في العالم، حيث يقدر متوسط الدخل السنوي للفرد فيها بحوالي 100 دولار، مازالت حبلى بما قد يصل إلى 300 ألف قطعة سلاح غير قانونية. ونتيجة لذلك، فإن الطرق تغلَق حين يرخي الليل سدوله بسبب تفشي الجريمة عبر البلاد. وفي هذا السياق يفيد استطلاع الأسلحة الصغيرة السنوي الذي ينجزه معهد الدراسات الدولية في جنيف بأن معدل جرائم القتل هناك في 2008 كان ضعف المعدل الدولي تقريباً. غير أن ما يزيد من تعقيد الوضع هو التدفق الكبير للعائدين: مئات الآلاف من البورونديين الذين لجأوا إلى تنزانيا المجاورة خلال حرب 1993، وعشرات الآلاف الآخرين الذي فروا في 1972. علماً بأن المنازل لتي تركوها وراءهم على عجل تم وضع اليد عليها منذ وقت طويل من قبل مواطنيهم. ثم إنه إذا كان نحو 400 ألف بوروندي قد أعيدوا من تنزانيا منذ 2002، فإن هذه الأخيرة تعتزم إرسال البورونديين الـ40 ألفاً المتبقين إلى بلدهم بحلول الأول من يوليو المقبل -بالقوة إن اقتضى الحال. ويقول جان بول روكوندو، الذي فر من بوروندي مع زوجته وأطفاله قبل نحو عقد من الزمن: «إن السلطات التنزانية والأمم المتحدة تقولان: أنتم جميعكم بورونديون، وهناك سلم في بوروندي الآن»، مضيفاً «ولكن إذا بدأت الأمم المتحدة فحص الحالات، فإنها ستجد أن لكل واحد مشاكل مختلفة: البعض لديهم أفراد من العائلة في السجن؛ وآخرون باعت الحكومة أرضهم بدون تشاور معهم». ومن الطبيعي في واحد من أكثر بلدان العالم ريفية، حيث تضاعف عدد السكان ثلاث مرات منذ الاستقلال، أن تصبح الأرض عملة نادرة. واليوم، يواجه النظام القضائي مشاكل بالجملة نتيجة قائمة طويلة من النزاعات المريرة حول الأراضي التي يمكن أن تشعل استياءً واسعاً، وليس هذا كل ما في الأفق من مشاكل في الأصقاع المنسية من قارة الأحزان السمراء. ماكس ديلاني - مخيم روبيرا في بوروندي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©