السبت 25 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

معماريون وأكاديميون يثمنون عطاء الجادرجي النظري والعملي: معماري كسر مللَ الحداثة

معماريون وأكاديميون يثمنون عطاء الجادرجي النظري والعملي: معماري كسر مللَ الحداثة
13 ابريل 2020 01:42

نوف الموسى، عبير زيتون، فاطمة عطفة

أكد معماريون وأكاديميون أن رحيل المعماري العراقي الفذّ رفعة الجادرجي خسارة كبرى للحقل المعماري العربي خاصة والفن المعماري عامة، مشيرين في تصريحات لـ «الاتحاد» إلى الأهمية الاستثنائية والمكانة الخاصة التي يشغلها الرجل على هذا الصعيد، إن لجهة التنظير والتأليف عن العمارة أو لجهة المنجز المعماري نفسه.
وأشاروا إلى ثراء عمارته في بعدها الإنساني، مثمنين إسهاماته النظرية، مؤكدين أن من المستحيل اختصار عطاءاته على مدى سبعين عاماً، فالرجل مؤسس العمارة الحديثة في الوطن العربي، ومن المعماريين الرواد في مجال الفن المعاصر، وأسهم في النهضة المعمارية العربية.
كرمته الإمارات عام 2008 بمنحه جائزة الشيخ زايد للكتاب، وعن ذلك قال الكاتب والإعلامي راشد العريمي الذي كان وقتها أميناً عاماً لجائزة الشيخ زايد للكتاب لـ «الاتحاد»:
مثل رحيل رفعة الجادرجي خسارة كبيرة لنا جميعاً، فهو يمثل امتداداً لجيل اتصف بالموسوعية والمعرفة الواسعة في أكثر من مجال، واستطاع أن يوظف معارفه وخبراته الجمالية بشكل لافت للنظر، سواء في تصاميمه المعمارية أو في كتاباته المهمة عن فلسفة الهندسة. وقد استطاع أن يجمع بذكاء بين الحداثة والتقاليد في كثير من أعماله، فهو على الرغم من توجهاته الحداثية حافظ على خصوصية البيئة المحلية التي يعمل فيها. لم يكن الجادرجي معمارياً عادياً، بل هو صاحب رؤية تتسم بالشمولية، وتقوم على أن علوم الأحياء والأنثروبولوجيا واللغة والعلوم الهندسية البحتة متداخلة جميعها مع الفلسفة والجمال، وهذا أحد أهم أسرار تفوقه وتميزه عن أقرانه.
وكان لي شرف التعرف على الراحل الكبير سنة 2008، حيث فاز يومها بالجائزة في فرع الدراسات النقدية والفنية عن كتابه «في سببية وجدلية العمارة»، وأذكر أن بيان الجائزة يومها أشار إلى ما في الكتاب من حس المفكر وتأمله، ونظرة جديدة لفن العمارة، وبلورة لرؤية جدلية للمعاصرة زاخرة بالقيم الجمالية ومنخرطة في الكونية في الوقت نفسه.
ستبقى كتب الفقيد شاهدة على موسوعيته، وستظل تصميماته المعمارية التي أبدعها شاهداً على خياله الخصب وحسه الفني العالي، سواء داخل بلده العراق، أو في مختلف دول العالم، ومنها أبوظبي التي تحتضن منذ سبعينيات القرن الماضي عدة تصاميم للجادرجي أهمها المسرح الوطني.
الباحث والشاعر سلطان العميمي في تغريدة له على «تويتر» متفاعلاً مع هاشتاق (رحيل المعماري العراقي رفعة الجادرجي في لندن)، قال: صمم المعماري الراحل المسرح الوطني التابع لوزارة الثقافة في أبوظبي والكثير من الأيقونات المعمارية في المنطقة.
وأضاف العميمي: الجادرجي غيّر مفهوم العمارة التقليدية بفكر معاصر منحها معنى جديداً لجمال العمارة.

فلسفة العمارة
د. حبيب صادق رئيس مؤسسة الجادرجي من أجل العمارة والمجتمع، قال:
غادرنا رفعة الجادرجي في زمن صراع الحياة، رفعة الذي كرس حياته من أجل تقديس الإنسان وملحمته، في الابتكار وكسر ملل الوجود، حيث اعتبر أن العمارة، أداة حوار اجتماعية صالحة، وهدفه من العمارة امتلاك معرفة حسية تهيئ شكلاً مناسباً كأداة لحوار اجتماعي فعال، بشرط أن يرضي الشكل مركب الحاجة من النفعية والرمزية والاستطيقية، والتي كانت ثلاثيته الذهبية.
واستند تنظيره المعماري بأبعاده الانثروبولوجية، على اعتبار الشكل محصلة العلاقة الجدلية بين المطلب الاجتماعي والتكنولوجيا المبتكرة في تحقيق حاجات زمن الإنسان. ميز رفعة بشكل حاسم بين الفلسفة والنظرية، وحينما تؤلف النظرية مبدأ عاماً لمواجهة إشكالية معينة وإيجاد الحلول المبدئية لها، شكلت الفلسفة الموقف العام من هموم الوجود، ومن بين الإشكاليات التي نظر فيها، جدلية العمارة، واكتمال الشكل، والفرق الجذري بين البذخ والإسراف، ومعالجة المناخ من غير تبذير في الطاقة، وبحث في شبكة الثقافات، ودور الفكر في العمارة ومسؤولية المعمار أمام المجتمع.
اعتبر الراحل أن العمارة تصبح رتيبة وسقيمة، إذا لم تعتمد على التنوع المبني على تفاعل بين الفكر والمطلب الاجتماعي.
واعتقدَ رفعت أن الفن والعمارة موقف من الحياة، فهو يقدم على نظريةٍ فيسخرها في أعماله. وإن ممارسة القدرات الفنية هي جزء من الفكر العام الذي يعرف بالفلسفة.

صدق الانتماء ورقي الوعي
أ.د. محمد حسني الحاج، عميد كلية الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانية والأمين العام لجمعية كليات الفنون الجميلة في الجامعات العربية، قال:
اختار فقيدنا بيروت مع منفاه اللندني بعد إبعاده عن بغداد!! ومعه أطلقنا «مؤسسة الجادرجي من أجل العمارة والمجتمع» في لبنان (بتاريخ 8-11-2005) والتي كانت قد تأسست عام 1999 في لندن، بهدف إيجاد مساحات تفاعلية بين المعمار والمجتمع من أجل علاقات اجتماعية سليمة، من خلال الأنشطة العلمية والثقافية. وفي بيانها التأسيسي، طمح المؤسسون إلى الارتقاء الدائم نحو الترقي المعرفي والى إرساء قيم أخلاقية للبيئة المبنية الجميلة والممتعة، لنورثها بأفضل سمات المكون الإنساني والمجتمعي لأجيالنا القادمة. مهما حاولنا انتقاء التعابير لن نجد منها ما نعطيه حقه لما قدم للإنسانية من صدق الانتماء ورقي الوعي. فقط أرسى فقيدنا تماثل التصاميم المعمارية والأنسجة المدينية مع أبعادهما الاجتماعية والإنسانية لتشكل الفضاءات الدينامية، من أجل توفير منطلقات الامتدادات الإبداعية والثقافية المتضمنة التصميم والمشهد والتعبير والصورة والفن. أغنى بمؤلفاته ماهية الفكر الإنساني لتحقيق أهدافه في الترقي الاجتماعي وفي توفير الشروط النوعية لحياة فضلى في المجتمع.

مؤسس العمارة الحديثة
المعماري والفنان التشكيلي محمود الرمحي، يقول:
يعتبر المعماري القدير رفعة الجادرجي، رحمه الله، مؤسس العمارة الحديثة في الوطن العربي، ومن المعماريين الرواد في مجال الفن المعاصر، أسهم في النهضة المعمارية العربية في ستينيات القرن الماضي، عبر إدخال مفاهيم الحداثة والتجديد، مع الحفاظ البديع على الأساسيات المعمارية، القادرة مثلاً على استيعاب العمارة التراثية في العراق، المنبثقة من العمارة العباسية والتراث الشرقي، من خلال تقديمه تصورات هندسية جميلة، تحقق العناصر المعمارية في داخل المنظومة الهندسية الحديثة، وفق احتياجات الإنسان العربي في القرن الـ 20. ولم يتوقف دوره عند مستوى التجسيد المعماري، بل المساهمة الفكرية والمعرفية من خلال تأسيس المنهاج الدراسي في جامعة بغداد، والتي ألقت بظلالها وتأثيرها الكبير على مختلف كليات العمارة والفنون في الجامعات العربية، إلى جانب أن له كتابات فكرية وندوات ومحاضرات، تتلمذ من خلالها مجموعة كبيرة من المعماريين العرب.
ومن اللمسات الاستثنائية التي قدمها هو أنه وضع اللبنة الأساسية للعمارة الحديثة المعاصرة، التي نراها، وتحديداً شبه الجزيرة العربية: العراق والكويت والأردن والسعودية والإمارات وسلطنة عمان واليمن، مشكلةً النواة الأساس للعمارة الحديثة في منطقة الشرق الأوسط. وإلى جانب التأثير الذي شكله عربياً، فإن هناك معماريين من تركيا وإيران تأثروا به، ويرجع سر قوته إلى أنه كان سابقاً لعصره واستطاع أن يبني مفهوماً معمارياً، تستفيد منه الأجيال القادمة، ويستوعبها المجتمع كأشكال جديدة.
ما قدمه الجادرجي، في مجال العمارة العربية الحديثة، يشبه ما فعله كبار الفنانين والملحنين العرب بالموسيقى العربية، أمثال أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، وفيروز والرحابنه، لقد وضعوا اللبنة الأساسية للموسيقا العربية الحديثة، بإعادة صياغة للأغاني القديمة، عبر جُمل لحنية خلقت هارموني مختلف للقرن العشرين.

خبير الآثار، د. عبد الستار العزاوي، يقول:
قام الراحل بأعمال هندسية جيدة، وبالنسبة لي ما زال حيا بيننا من خلال أعماله التي تركها والكتب التي ألفها، وكنت على اتصال معه في العراق فهو رجل علم وفن محترم، اشتغل على الهندسة العربية الإسلامية واستوعب عناصرها وجذورها التي ترجع إلى الفن العربي الإسلامي. اهتم بالمباني العربية الإسلامية ومن أهمها «حصن الأخيضر والقصر البلوري»، وكان له نظرة تراثية متقدمة في تحليله ورسومه، وكان يرجع بذلك إلى معالم العمارة في العصر العباسي، ويعطي توجيهات فنية دقيقة وقد ترك بصماته وذكرياته في هذه المباني سواء كانت حديثة أو تراثية.
وحول إضافاته الهندسية والجمالية، قال: كانت بصمته جلية في المباني الحديثة، واهتم بتصميم القباب وتوازنها وتقسيماتها الهندسية، إضافة إلى عنايته بالأمور الزخرفية، كما كان يهتم بكتابة الخط العربي الخزفي منه وكان يخط آيات قرآنية كثيرة أيضاً. وكنا نستمع إلى أقواله ودائما أذكر عبارته، داعيا إلى الصبر والتفكير بأناة قائلاً: لا تكونوا سريعين في العمل وأخذ القرار، بل يجب أن يكون عندكم الهدوء والصبر.
المهندسة شهلاء خلفان تقول: التقيت بالمهندس العراقي رفعة الجادرجي أول مرة سنة 1978، وكان يعمل وقتها في مدينة الإعلام، وهي حالياً المسرح الوطني والمركز الثقافي. وكانت نظرته العمرانية وتصميم أعماله الهندسية تختلف عن نظرة أي مهندس آخر، كما تختلف عن نظرة زهى حديد، وكان ميالاً أكثر إلى الناحية المدنية. وأضافت: كان يهتم بالناحية الجمالية، دون أن يهمل العناصر التراثية، وهو يمتاز في فن العمارة بالجمع بين وظيفة البناء ومدى الانتفاع به والمنسجم مع القيم الجمالية في مظهره.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©