الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

هل تأتي رياح «البوكر» بما تشتهي سفن «الغريبات»؟

هل تأتي رياح «البوكر» بما تشتهي سفن «الغريبات»؟
21 ابريل 2019 01:56

عبير زيتون (دبي)

قد تتساءلون لماذا النساء فقط؟ وأجيب: ليس تحيزاً للجندر، ولكن سبق وكُتب أكثر من مادة عن الكاتبين المغربي والمصري المرشحين للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، بالإضافة إلى أن هذه أول مرة في تاريخ الجائزة تترشح لقائمتها القصيرة أربع كاتبات، أضيفوا إلى ذلك تساؤلات القراء على وسائل التواصل الاجتماعي التي تدور حول حتمية فوز عنصر نسائي هذا العام بالجائزة، سواء مناصفة أم منفردة، والباقي تجدونه في هذا التقرير.
للمرة الأولى في تاريخ الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، ومنذ إطلاقها عام 2008، تصل أربع كاتبات عربيات، دفعة واحدة، إلى القائمة القصيرة، لأهم جائزة للرواية العربية في المنطقة، والتي تدار بالشراكة مع مؤسسة جائزة «بوكر» في لندن، وبدعم من «دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي»، مقابل وصول كاتبتين فقط في الأعوام 2011 و2015 و 2018. وشذ عن القاعدة عام 2011، الذي شهد وللمرة الأولى، وحتى تاريخ اليوم، فوز الكاتبة السعودية رجاء عالم عن روايتها «طوق الحمامة»، ولكنه فوز لم يكتمل إلا بالمشاركة مع المغربي محمد الأشعري عن روايته «القوس والفراشة».
فهل نشهد «مفاجأة ما» مع عام 2019، تقلب دفة الجندر الفائز بالجائزة، وتنحو نحو تاء التأنيث، بما يليق بحجم حضورها ضمن القائمة القصيرة للدورة الثانية عشرة للجائزة؟
هذا سؤال يشغل بال القراء اليوم مع ترقبهم القريب، لإعلان الجائزة العالمية للرواية العربية عن الفائز لهذا العام، مساء 23 أبريل، في فندق فيرمونت باب البحر- أبوظبي، بالتزامن مع افتتاح فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب.

قواسم الغربة والشتات
تتنافس الكاتبات الأربع، اللواتي تجمعهن تجربة الغربة، والشتات، وهن: هدى بركات – لبنان، إنعام كجه جي – العراق، شهلا العجيلي – سوريا، وثلاثتهن سبق لهن الترشح لقوائم الجائزة سابقاً، إلى جانب كفى الزعبي – الأردن، على الفوز بالجائزة التي تبلغ قيمتها 50 ألف دولار أميركي، مع كل من: عادل عصمت – مصر، ومحمد المعزوز – المغرب. وكان شرف الدين ماجدولين، رئيس لجنة التحكيم وصف الروايات التي وصلت إلى القائمة القصيرة، في مؤتمر صحفي، بأنها «مختلفة بشكل كبير في موضوعاتها، وفي أساليبها، واختياراتها الجمالية»، وبأنها «روايات تعكس واقعاً متبايناً، ورؤى عميقة وناضجة ومؤثرة من الراهن العربي، وفي الآن ذاته تقترح صيغاً سردية بديعة تستجيب لطبقات مختلفة من المتلقين».
وللسؤال عن كيف تنظر الروائيات إلى ترشحهن ضمن القوائم القصيرة والنهائية للجائزة، وما هي طبيعة الموضوعات التي تعالجنها في أعمالهن الروائية؟ كانت لـ «الاتحاد» معهنّ هذه الوقفة.

بركات و «بريد الليل»
الكاتبة الروائية هدى بركات التي دفعتها ظروف الحرب الأهلية اللبنانية للإقامة في باريس، والتي سبق لها الوصول إلى القائمة الطويلة عام 2013 عن رواية «ملكوت هذه الأرض»، قالت لـ «الاتحاد» عن ترشحها لـ «البوكر»: طبعاً الفوز جميل في كل الأحوال. وفي حالتي سيساعد أكثر في انتشار الرواية، وسيرى القارئ أنني لست كاتبة معقدة أو نخبوية، رغم اعتقادي بأن الجودة ليست في التسطيح، ولا في الاستسهال.
وحول «بريد الليل» روايتها المرشحة للجائزة هذا العام، وهي سادس عمل روائي لها، أوضحت: «تدور الرواية حول خمس رسائل، كُتبت من دون أمل أن تصل إلى المرسل إليه؟ وأضافت بركات: الهجرات، وأشكال الوحشة، والغربة الجديدة في عالمنا العربي، كانت الشرارة لكتابة الرواية، وفي روايتي يتشكل بازل السرد، وينقشع عن مشهد مكتمل من دون أسماء، وأماكن، أو تسلسل كلاسيكي، ومن يجمع هذا كله، هو القارئ، وليست الشخصيات المكسورة المصائر، التي لا ترى سوى الليل. وأكدت: تهمني حكايات الروايات غير المقفلة على نفسها، التي تفتح أبواباً دون أن توزع الحكمة، والعبرة، أو الأفكار. الروايات التي توقظ عند القارئ مشاعر عديدة أهمها: ربما لذة القراءة ــ والاكتشاف.

كجه جي و«النبيذة»
وقالت الصحفية والروائية العراقية إنعام كجه جي المقيمة في باريس أيضاً، لظروف الحرب والطائفية في العراق: الجائزة في البداية، كانت اختباراً شخصياً أقدمت عليه للتأكد من أن خوضي للرواية، على كِبر، لم يكن لعباً في الوقت الضائع. أما الفوز الحقيقي فهو أن أرى كتبي تنتشر، وصورتي موجودة في «شارع المتنبي» في بغداد. وتؤكد كجي جي التي سبق لها الترشح للقائمة القصيرة عامي 2009 و2014 عن روايتيْ: «الحفيدة الأميركية» و«طشّاري»: لا شك أن للفوز بالجائزة دوراً كبيراً في انتشار الرواية وتعريف القارئ بها.
وحول ما تود قوله في رواية «النبيذة» التي تعد رابع أعمالها الأدبية، وتعالج فيها أصداء حقبتين من تاريخ العراق الحديث: الملكية والجمهورية، ولا تغفل المسألة الفلسطينية، أوضحت: أردت الحديث عن «المصائر» التي تدخلت الوقائع السياسية في منطقتنا، لتحرفها عن المسار المشرق الذي كان مقرراً لها. لذلك الرواية كلها، كما أردتها، ومثل كل رواياتي السابقة، تقوم على المرايا المتقابلة، التي تعكس زمنين أو عدة أزمان مختلفة. فأنا أكتب عما أعرف. أي من تجربة ما عشناه. لن أستعير حكايات شعوب أخرى، وبلدي يزخر بوقائع تتحدى أعتى المخيلات. وتابعت: نحن شعب أجبرته الحروب والنزاعات على التوزع في أربعة أطراف الدنيا. من ماليزيا إلى ملبورن. من بغداد إلى الصين. والرواية ليست بديلاً للواقع بل فأرة تنبش في خفاياه، وتستخرج تفاصيل إنسانية حميمة. لا أحب أن يكون الُمشتتون مجرد أرقام من دون صور ولا أسماء ولا سحنات ولا ذكريات.

الزعبي و«شمس بيضاء باردة»
وقالت كفى الزعبي التي تقيم في موسكو لـ «الاتحاد»: دخول روايتي في القائمة القصيرة لجائزة البوكر، عنى لي كثيراً، ويمكن اختزال هذا الكثير، بالفرصة التي حظيت بها الرواية، للوصول إلى عدد كبير من القراء العرب. هذا برأيي هو أهم فوز يمكن أن يطمح إليه أي أديب أو كاتب.
وعن رواية «شمس بيضاء باردة» التي تتناول صراع شاب فقير من القرية، مثقف يعاني من غربة في محيطه الاجتماعي المحافظ، ويعمل مدرساً في عمان، أوضحت: تقارب هذه الرواية ما بين أسئلة الإنسان العربي الحديث البائس، وبين أسئلة ملحمة جلجامش التي يموت فيها أنكيدو، وتتعفن جثته، قبل أن يرضخ جلجامش ويقرر دفنه. هي أسئلة ضيق أفق الإنسان العربي الآن، مقارنة بالآفاق الواسعة التي كان جلجامش يخوض فيها صراعاته. أسئلة الموت، والخلود، والمغزى والجدوى.. هذه الأسئلة التي تتفاقم لدى الإنسان العربي، لاسيما في ظل بؤسه، وهزائمه على جميع الصعد الفكرية والاقتصادية والسياسية.
وأردفت الزعبي: بالعموم الرواية لا تسعى لإيصال رسائل أو مواعظ، بقدر ما تسعى إلى كشف الواقع وتعريته، والنظر إليه بعين نقدية تراه كما هو في واقع الحال بلا محاباة أو مجاملة.

العجيلي و«صيف مع العدو»
أما الروائية شهلا العجيلي المقيمة في الأردن، لظروف الحرب في سوريا، والتي تعد أصغر كتّاب القائمة القصيرة، وسبق لها الترشح للجائزة عام 2016 عن رواية «سماء قريبة من بيتنا»، فتأخذنا في روايتها «صيف مع العدو»، من تحت قبة كاتدرائية في كولونيا إلى قصص الحرب العالمية الثانية، وقبلها، وأحياناً إلى الحرب الروسية العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر. وتصل بنا إلى الشرق الأوسط، انطلاقاً من مدينتها الصغيرة (الرقة)، من خلال حكاية الجدة (كرمة) التي كانت تعمل في فرقة بديعة مصابني. ونرى الحياة في فلسطين، والشام، ومصر، وفي القلب منها مدينة الرقة السورية، وحضارة وادي الفرات، قبل أن تعبث بها الأقدار. وكانت العجيلي، التي لم نحسن الوصول إليها بسبب ظروف سفرها، قد صرحت حول روايتها، بالقول إن الرواية تسعى لأن تكشف لنا مراوغات التاريخ والأوهام القاسية التي قد نبني عليها حياتنا، والتي - حين نتحرّر منها - ننهار، ولتكشف أيضاً أنّ الإنسان لا يعني شيئاً بلا مكابدات وأسرار.
ويبقى السؤال معلقاً: هل تيمِّم «البوكر» وجهها، هذه المرة، شطر النساء؟ وهل تأتي رياح الجائزة وفق ما تشتهي سفن «الغريبات» المسافرات في بحار الغربة والتشتت و... السرد؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©