الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

ميلو صديق «أطفال التوحد»

ميلو صديق «أطفال التوحد»
5 يونيو 2019 01:10

بقلم: سوماثي ردي.

يعاني الأطفال المصابون بالتوحد صعوبات جمة في التواصل مع العالم، وبفضل تطبيقات التكنولوجيا الحديثة، نجحت دمية إلكترونية في إيقاظ تفاعلهم الشعوري مع الآخرين.
يرتفع الروبوت ميلو بمقدار قدمين تقريباً عن سطح الأرض «نحو 60 سنتيمتراً»، ويستطيع تحريك يديه، ورفع حاجبيه، والغمز بعين واحدة، أو بالعينين معاً، للتواصل بصرياً مع أطفال التوحد في سن الدراسة، وكسب ثقتهم. علاوةً على هذا، يتحدث إليهم بصوت مبرمج لطفل، وبسرعة أبطأ بنسبة 20% تقريباً عن وتيرة الكلام الطبيعية. يحضر ميلو جلسات التخاطب في وجود المعلمين الأصليين، فيتفاعل الأطفال معه ويألفونه، ويلبون توجيهات معلميهم بكل يسر. أما المحصلة النهائية فمبهرة.
ورحبت مدرسة روبرت ووترز الابتدائية في مدينة يونيان سيتي بالفكرة وبدأت في تطبيقها وحضرنا جانباً من جلسة لعلاج مشكلات التخاطب والتعلم لدى أطفال التوحد وكانت كالتالي: جلس طفلان بالصف الثالث الابتدائي في أحد الفصول، بينما اعتلى ميلو مائدة أمامهم وبدأ مهمته، في حضور خبراء علاج التوحد المعتادين. وبدأ حديثه إليهم قائلاً: «سنتحدث اليوم عن حوار بين شخصين. أحد الطرفين يوجه سؤالاً إلى الآخر ويسكت لينصت إلى الرد، ثم يقول شيئاً آخر». أصغى الطفلان إلى توجيهات ميلو، ونظراً في اتجاه معلمهم في كل مرة يوجه الروبوت سؤالاً لهما. يكرر المعلم السؤال ذاته فيشجع الطفلين على الرد، وهكذا.
ويمثل ميلو وجهاً جديداً من أوجه تطبيقات التكنولوجيا الحديثة في مجالات الأبحاث، والمدارس، وعيادات علاج مرضى اضطرابات التوحد. ويرى خبراء أن ميلو، وغيره من وسائل التكنولوجيا المتقدمة المماثلة، تملك إمكانات هائلة في مساعدة مرضى التوحد على الاندماج اجتماعياً، بزيادة قدرتهم على التواصل والتفاعل مع الآخرين. ويجب الإشارة هنا إلى أن التكرار أحد الوسائل الرئيسة في تعليم هؤلاء الأطفال، ما يشكل عبئاً في حد ذاته على الأخصائيين والمعلمين سواء بسواء. ويحل ميلو هذه المشكلة بيسر.
إلا أن الانتقال من مرحلة الأبحاث إلى التسويق على نطاق تجاري ليس بالأمر اليسير، كشأن معظم المخترعات. وفي حالة ميلو بالذات، يشدد خبراء على ضرورة إجراء مزيد من الأبحاث. وهو ما تعترف به شركة «روبوكايند» مصممة ميلو ومنتجته بمقرها في مدينة دالاس.
وكانت الشركة بدأت في بيع ميلو في عام 2016 للمساعدة في علاج مشكلات التخاطب وتيسير تعلم مرضى التوحد. وانتشر بالفعل حالياً في نحو 400 مدرسة في 37 ولاية أميركية، ومن اللافت أن تصميم ميلو جاء بشكل دمية صبي تظهر على وجهه ملامح متغيرة، وأقرب ما تكون إلى تعبيرات الآدميين. أما صدره فثبتت عليه شاشة صغيره تظهر أيقونات لمساعدة الأطفال على التفاعل مع الدروس. ويباع ميلو للمدارس حصرياً بـ 12 ألف دولار إضافةً إلى مبلغ 3.750 دولاراً أخرى تسدد سنوياً مقابل تحديث البرامج والمنهج الدراسي.
وقبل نحو عامين، بدأت ولاية ساوث كارولينا في تطبيق برنامج تجريبي لاستخدام ميلو أو النسخة الأنثوية منه وتدعى روبون. وشمل البرنامج مدارس في قرابة 15 حياً بأنحاء الولاية.
وفي تقييمها للتجربة، تقول دكتور ليزا رايفورد معاونة التدريس لمرضى التوحد في الإدارة التعليمية بالولاية: «كان لدينا أطفال لا يتكلمون والآن ينطقون». وأضافت أنها عاصرت أطفالاً يعانون مشكلات في التعلم بالفصول، والآن صاروا يدرسون لطلبة آخرين كيفية محاكاة المهارات التي أتقنوها. وأشارت إلى أنه بعد عام واحد من بدء التجربة، ألمت نسبة 90% تقريباً من الطلبة بما درسه ميلو لهم، وطبقت ما تعلمته بشأن التفاعل مع الآخرين. وبفضل ميلو أيضاً، أصبحت نسبة تصل إلى 30% من الطلبة مرضى التوحد يمضون وقتاً أكبر حالياً في فصول التعليم العام القائمة، بدلاً من الفصول الخاصة بهم. ونفت دكتور رايفورد أدنى نية لأن يصبح الروبوت بديلاً للمعلمين العاديين، موضحةً أن ميلو وسيلة معاونة في خلال الدرس.
وتنظم الدراسة لأطفال التوحد بالطريقة التالية: عقد جلستين أو ثلاثاً أسبوعياً، وتتراوح مدة الجلسة بين 15 و20 دقيقة للطلبة في المرحلة العمرية من ثلاثة أعوام إلى 14 عاماً، ويحضر الجلسة مدرس وأخصائي العلاج.
وكانت الدكتور رايفورد وبعض أولياء الأمور تملكهم القلق في البداية بشأن البرنامج، واندهشوا إزاء فكرة تولى دمية إلكترونية ناطقة مثل ميلو مهمة تدريس المهارات الاجتماعية للأطفال. وعبرت كاري واتسون من مقاطعة إلجين في ولاية ساوث كارولينا عن إعجابها بالبرنامج التجريبي، وإن كانت ممن خامرهم الشك تجاهه. وقالت: «لاحظت تحسناً هائلاً على صعيد المشاعر، إذ إن ميلو ساعد ابني في التعامل مع أقرانه، وهو يتكلم معهم الآن عن الكيفية التي يفترض أن يتصرفوا بها لدى تحدثهم وتفاعلهم مع الأصدقاء».
ويتعين الإشارة في هذا السياق إلى أن ميلو ليس وحده في هذا المجال. فقد طورت شركة سوفتبانك لصناعة الروبوتات، ومقرها باريس، روبوت أطلقت عليه اسم ناو وطورته تدريجياً إلى أن وصلت إلى الجيل السادس منه حالياً. ولم يكن هذا الروبوت مخصصاً لمرضى التوحد حصرياً في البداية، لكن سوفتبانك تعاونت مع شركة مختصة في البرمجيات لتصميم المحتوى المناسب بالضبط لهم. ويباع ناو من هذا الجيل حالياً إلى المستشفيات، والمدارس، والعيادات، في أنحاء العالم.
علاوةً على ذلك، نجحت أوبيري شيك في ابتكار روبوت، أطلقت عليه اسم رومبيبو، في إطار مشروع تخرجها بجامعة كارنيجي ميلون في عام 2011. وتعمل أوبيري حالياً استشارياً في مجال التكنولوجيا. ويستخدم هذا الروبوت في المدارس والعيادات بولايتي بنسلفانيا ونيويورك حالياً لمساعدة الطلبة من مرضى التوحد وغيره من الأمراض المشابهة. وتتولى جمعية لا تهدف إلى الربح تطلق على نفسها اسم «فاين آرتس ميريكلز» «معجزات الفنون الجميلة» مهمة توريد رومبيبو للجهات المعنية وفقاً لترتيبات خاصة. إذ تورد الجمعية هذا الروبوت للمدارس في مقابل ما يتراوح بين 130 و225 دولاراً للجلسة الواحدة. ويعمل رومبيبو مع الطلبة في حضور الاختصاصي المعالج لمتابعة مدى تقدم الطلبة وتحسنهم.
ورصدت دراسات عدة مزايا استخدام الروبوت في تعليم أطفال التوحد، ولعل من أبرزها: تحسن مستوى التواصل البصري، والمشاركة، وأخذ الدور واحترامه، وإدراك المنظور.

تحفظات علمية
وبرغم قائمة المزايا التي رصدتها دراسات المتابعة، يؤكد خبراء أن هذه التكنولوجيا لن تعالج المرض جذرياً. ونشرت دورية علم الروبوتات نتائج دراسة لأثر وضع روبوت في منازل 15 طفلاً يعانون التوحد. وقدم كل روبوت حوالي نصف الساعة من العلاج يومياً لمدة شهر. وأظهرت الدراسة أن الأطفال حققوا تقدماً ملموساً على الصعيد الاجتماعي، ونجحوا في استخدام المهارات التي لقنها الروبوت لهم في ظروف مختلفة ومع أناس جدد. وأشرف على هذه الدراسة البروفسور بريان سكاسيلاتي، أستاذ علوم الحاسب الآلي وعلوم الإدراك والهندسة الميكانيكية في جامعة ييل.
وبرغم هذا الإنجاز، أقر سكاسيلاتي بأن الأطفال بدأوا في فقد جانب من هذه المهارات بعد شهر واحد! ودعا إلى إجراء أبحاث أعمق لرصد إذا ما كانت هذه الأنماط العلاجية المبتكرة ستبقى فعالة على الأمد البعيد.
وبالعودة إلى مدرسة مدينة يونيان سيتي، التي انطلق منها هذا التقرير، لاحظنا أن الطفلة كاميلا انخرطت في حوار مع زميل لها في وجود ميلو وبفضل توجيهاته. وبعد انتهاء الجلسة، فضلت الطفلة العودة إلى فصلها الدراسي المعتاد. ولعل هذا إنجاز في حد ذاته ويجب عدم التغاضي عنه.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©