الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واقع مرير لكنه غير قبيح

واقع مرير لكنه غير قبيح
30 يونيو 2010 22:07
الصدق هو أقصر الطرق إلى القلب. وقد نجح أحمد حلمي في الوصول إلى أعلى قمة الإبداع في مسيرته الفنية من خلال أحدث أفلامه السينمائية “عسل أسود” وطرح حقائق شديدة الصدق تعبر عن الدهشة والرفض لما وصل إليه حال المجتمع. وجاء الفيلم بمثابة دعوة للتغيير واستعادة الصورة الجميلة التي ما زالت تسكن الذاكرة. فيلم “عسل أسود” قصة وسيناريو خالد دياب وإخراج خالد مرعي وبطولة أحمد حلمي وإدوارد وإنعام سالوسة وإيمي سمير غانم في أولى تجاربها السينمائية ولطفي لبيب ويوسف داوود وضيوف الشرف دينا وأحمد راتب وعبد الله مشرف. تدور الأحداث حول الشاب “مصري العريس” أحمد حلمي الذي قرر العودة إلى مصر بعد غياب أكثر من عشرين عاماً فقد هاجر مع والديه إلى الولايات المتحدة وعمره عشر سنوات وبعد رحيلهما فكر في العودة وكان هدفه التعرف إلى الأحوال وهل يمكنه الاستقرار بمصر أم لا؟ وحقق من زيارته لمصر هدفاً آخر وهو التقاط مجموعة من الصور الفوتوغرافية لمعرضه المقبل فهو يعمل مصوراً. وجاء يملؤه الحنين للصورة التي احتفظ بها في ذاكرته طوال سنوات الغربة. لكنه بمجرد وصوله المطار يبدأ تلقي الصدمات واللكمات حيث فوجئ باختلاف المعاملة التي يلقاها المواطن المصري القادم من الخارج والمواطن الأميركي لأنه لم يحضر جواز سفره الأميركي معه ويتعرض إلى كثير من المفارقات حتى عندما يصل إلى الفندق يرفض موظف الاستقبال التعامل معه باعتباره مواطناً مصرياً مؤكداً أن الحجز تم من أميركا على أساس أنه مواطن أميركي، ويرفض توفير حجرة له ويعرض عليه جناحاً بعدة آلاف من الجنيهات وهكذا يصاب “مصري” بالدهشة من المعاملة وحتى عند انتقاله من المطار إلى الفندق يحتال عليه سائق الميكروباص “رضا” (لطفي لبيب) خاصة عندما يكتشف أنه لا يعرف قيمة الدولار في مصر. ويبدأ “مصري” جولاته في القاهرة ويلتقط العديد من الصور للميادين والمعالم ويفاجأ بإلقاء القبض عليه لأنه لم يحصل على تصريح بالتصوير ولا يجد من ينقذه ويضمنه سوى سائق الميكروباص “رضا” الذي يطلب منه مزيداً من النقود ليضمنه ويخرجه من الحجز بعد أن تلقى علقة ساخنة على أيدي المجرمين والمنحرفين. ويرسل في طلب جواز سفره الأميركي وبمجرد تسلمه يلقي بجوازه المصري من شرفة الفندق وتبدأ علاقة إنسانية بين “مصري” الشاب الذي يبحث عن دفء الوطن والسائق “رضا” الذي يفاجأ بأن “مصري” يدخل جدلاً ومشكلة كبيرة مع ضابط الشرطة الذي رفض أن يحرر مخالفة لسيارة ضخمة صدمت الميكروباص من الخلف، ويحاول الاستفادة من جواز سفره الأميركي ويطلب منه ضابط الشرطة أن يصيح بأنه أميركي أمام جموع غفيرة من المتظاهرين، ومن دون أن ينتبه إلى أن المتظاهرين ينددون بسياسات الولايات المتحدة مما يعرضه لعلقة ساخنة تفقده الوعي وجواز سفره الأميركي ونقوده وهاتفه المحمول. ويستعيد “مصري” وعيه ليجد “رضا” سائق الميكروباص في انتظاره ويعرض عليه خدماته رداً لجميله وموقفه في الدفاع عنه، ويفكر “مصري” ولا يجد حلا لأزمته إلا بالبحث عن منزل أسرته القديم وأخيراً يتذكر العنوان وعندما يحاول دخول شقته يتصور الجيران أنه لص ويتلقى علقة ساخنة قبل أن يتعرف إليه الجيران ويستضيفه صديقه وزميل دراسته “سعيد” (ادوارد) ويعيش معهم حتى يتم إعداد مسكنه وتنظيفه ويستعرض الفيلم الأزمات التي تواجه الطبقة المتوسطة وكيف بدأت تنهار بسبب البطالة وأزمات الإسكان وتراجع مستوى التعليم. ويطرح الفيلم الكثير من معاناة الناس برؤية محايدة ومباشرة وبخفة ظل تلقائية، حيث نجد “عبد المنصف” زوج “ابتسام” شقيقة “سعيد” لا يستطيع الانفراد بزوجته لانه اضطر للإقامة مع أسرتها في المسكن البسيط الذي يضم حجرتين للنوم واحدة للأم وابنتيها “ابتسام” و”نوسة” والثانية لسعيد وشقيقه الأصغر “حماصة” وزوج شقيقته “عبد المنصف” وانضم اليهم “مصري”. ويكتشف “مصري” حالة الإحباط والاكتئاب التي يعيشها “سعيد” لأنه لا يجد عملاً بعد حصوله على مؤهل متوسط بينما جارته “ميرفت” التي يحبها منذ الطفولة أكملت تعليمها الجامعي وأصبحت مدرسة لغة انجليزية وبذلك لم يعد صالحاً لها، وبدأ “مصري” التفاعل مع المشاكل والواقع، وبدأ يمارس هو نفسه بعض السلوكيات التي كان يرفضها وعندما يلتقي بجارهم المصور العجوز “عم هلال” (الفنان يوسف داود) يعبر له عن دهشته مما وصلت إليه الأحوال من تدهور وتراجع وكيف أن والده كان يتمنى المجيء إلى مصر ليدفن فيها، ويكون رده ذا دلالة، بأن غالبية المصريين في الخارج يفكرون بهذه الطريقة ويتعاملون مع مصر وكأنها أصبحت مقبرة كبيرة. وبعد رحلة المعاناة التي صادف فيها “مصري” كل مشاكل وسلبيات الحياة في مصر يقرر العودة إلى أميركا بشكل نهائي ولكنه يحاول إيجاد الحلول لمشاكل هذه العائلة المصرية الطيبة التي احتضنته ويترك خطاباً لأم سعيد يخبرها بأنه ترك مفتاح شقته لتسكن فيها ابنتها “ابتسام” وزوجها “عبدالمنصف”، ويترك الكاميرا ومعداتها لصديقه “سعيد” ويقترح عليه أن يعمل مصوراً وينصحه بأن يصارح “ميرفت” برغبته في الزواج منها، وعندما تغادر الطائرة مطار القاهرة يشعر “مصري” بأنه يفضل الحياة في مصر وسط دفء أهلها وناسها على الرغم من كل ما صادفه من متاعب، ويدعي أنه مصاب بوعكة وعندما تحضر المضيفة وتعرف أنه مصري الجنسية تنصحه بالجلوس في مقعد آخر وتناول العقاقير المهدئة وبسرعة يلوح لها بجواز سفره الأميركي فيتم إبلاغ الركاب بعودة الطائرة مرة أخرى لإصابة الراكب الأميركي “مصري”. تميز سيناريو خالد دياب بخفة ظل وأسلوب غير تقليدي في طرح القضية التي يتناولها الفيلم فقد كان الثلث الأول من الفيلم أشبه بالمونودراما المسرحية حيث انفرد أحمد حلمي بالصورة الرئيسية وإن بدت حوله العديد من الشخصيات بصورة هامشية، وعلى الرغم من ذلك لم يتسلل الملل للمشاهد بسب سلاسة الحوار وقدرات حلمي كممثل تلقائي، وبرزت مهارات مدير التصوير سامح سليم في التعبير عن المتناقضات التي صادفها “مصري” ورسم صورة ثرية بالظلال والإضاءة، وأضافت الموسيقى التصويرية لعمر خيرت مساحة من الجمال والشجن للشريط السينمائي، ونجح مهندس الديكور محمد أمين في تقديم صورة عذبة بعيدة عن القبح ببيت “مصري” بسيط لكنه لا يخلو من الذوق بألوانه الهادئة الباهتة المنسجمة مع الأثاث البسيط، واستطاع المخرج خالد مرعي أن يحقق الإيقاع المتوازن كمونتير للفيلم على الرغم من أن الأحداث تتمركز حول شخصية واحدة، ويحسب له كمخرج عنايته وقدرته على قيادة فريق من الممثلين ظهروا جميعاً في أحسن حالتهم وخاصة إدوارد الذي قدم واحداً من أجمل أدواره، وتألق إنعام سالوسة ولطفي لبيب والوجه الواعد إيمي سمير غانم التي قدمت دوراً صغيراً لا ينسى، كما يحسب له توظيفه للأغاني التي كتبها أيمن بهجت قمر لتكسب الشريط السينمائي مذاقاً. أما أداء أحمد حلمي فهو يؤكد أنه فنان مجتهد يهتم بالتفاصيل الصغيرة في الشخصية وجسد ببراعة متقنة وغير مصطنعة شخصية المصري المغترب الذي فقد معاني الكلمات العربية وعلى الرغم من الجرأة التي اتسم بها الفيلم فإنه نموذج للكوميديا العصرية التي تحمل نكهة نجيب الريحاني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©