الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الإعلام... سلاح قوي في مواجهة الاحتباس الحراري

الإعلام... سلاح قوي في مواجهة الاحتباس الحراري
26 يناير 2020 02:13

يرزح العالم اليوم تحت وطأة أزمة عالمية طارئة تستدعي اتخاذ إجراءات فورية وجوهرية من كافة الأطراف، خاصةً وسائل الإعلام. يتوقع العلماء والخبراء أنه في حال لم نعدل عن مسارنا الحالي، فإن نطاق الأزمة سيتفاقم، والنتائج المترتبة ستنعكس سلباً على كافة جوانب الحياة، مدمرة المناطق التي نعيش فيها، أو نحصد منها غذاءنا، إلى جانب تأثيرها على الصحة العامة.
وبالرغم من التحذيرات الجادة، فإن ظاهرة التغير المناخي، وكما رأينا في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا العام، لاتزال قضية يناقش المجتمع حقيقة أهميتها. قناعتي تامة بأن وسائل الإعلام، بمختلف أشكالها، تستطيع أن تعالج الشكوك التي تثيرها هذه النقاشات.
وتكمن أهمية وسائل الإعلام في قدرتها الكبيرة على الوصول إلى البيانات والمعلومات وآراء الخبراء التي لا يستطيع عموم الجمهور الوصول إليها، ويقع على عاتقها مسؤولية تحري دقة هذا الكم المعلوماتي الهائل وتمحيصه وفقاً لأعلى درجات الحيادية والنزاهة للخروج بالمواد والمحتويات الموثوقة والدقيقة. وبعد إضافة استنتاجاتها أو استنتاجات الخبراء، يستطيع الإعلام تحديد أفضل الطرق والوسائط لنشر هذه الحصيلة المعرفية والفكرية، سواء كانت عبر الوسائل المطبوعة أو المسموعة أو المرئية.
لا شك في أن ما نقرأ أو نسمع أو نشاهد يساهم في تحديد فهمنا أو استيعابنا للقضايا الحيوية المطروحة مثل التغيّر المناخي، وبالتالي تشكيل آرائنا وأفكارنا، التي ترسم بدورها أطر سلوكياتنا كأفراد، مثل اتباع ممارسات صديقة للبيئة، كإعادة التدوير أو غلق المصابيح الكهربائية عند مغادرة الغرفة. كما أن الآراء الجماعية تساهم هي الأخرى في تحديد مسار وسلوك صنّاع السياسات المطالبين، في نهاية المطاف، باتخاذ القرارات بناءً على رغبة وتوجهات مجتمعاتهم. إذا جاءت قضية التغير المناخي ضمن الأولويات الرئيسية لدى الأفراد، فإنها ستستحوذ بالتالي على أولوية كبيرة ضمن أجندة الحكومات.
ويمكننا أن نلمس ذلك حول العالم. فقد أفادت دراسة صادرة عن جامعة كانساس العام الماضي، أن الدول الغنية تنظر إلى ظاهرة التغير المناخي كقضية سياسية، بينما تدرجها نظيراتها من الدول الفقيرة ضمن قائمة القضايا والأزمات التي تستدعي تدخل المجتمع الدولي لمعالجتها.
لعل خير مثال على أهمية دور الإعلام في توعية الرأي العام وتحفيز المجتمعات على اتخاذ خطوات جادة، ما حدث خلال أزمة حرائق غابات أستراليا. بدأت الحرائق في أواخر شهر أكتوبر الماضي، ومع ذلك كانت التغطية الإعلامية خلال الأسابيع القليلة الأولى محدودة بشكل كبير في وسائل الإعلام الموجودة في أستراليا. ولكن تبدلت الأحوال في الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر على نحو مفاجئ، وزادت دائرة التغطية الإعلامية بواقع خمسة أضعاف، بعد أن بدأت وسائل الإعلام العالمية بتغطية هذه الأزمة، مما شجع الأستراليين على مطالبة الإعلام العالمي بالمزيد من التغطية.
ومنذ ذلك الحين، توجّهت أنظار المجتمع الدولي وتضافرت الجهود العالمية - دولاً وأفراداً - لمساندة أستراليا في محنتها، في الوقت ذاته فرضت قضية التغير المناخي ودورها وراء نشوب هذه الكارثة الطبيعية نفسها وبقوّة على طاولة الحوار العالمي.
لكن حجم التغطية الإعلامية ليس وحده ما يصنع الفارق، إذ إن جودة ومصداقية المعلومات والبيانات المنشورة هي أيضاً عامل حاسم وفي غاية الأهمية. فعلى سبيل المثال، تم تداول العديد من الخرائط الخاطئة حول مساحة الحرائق، وكان أكثرها شيوعاً ذلك المخطط الذي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتضمن رموزاً إرشاديةً للحرائق عبر كافة أنحاء البلاد، ما دفع المتابعين إلى الاعتقاد بأن البلاد تنصهر داخل بوتقة من النار. ولكن كان المقصود من تلك الرموز هو الإشارة إلى رصد مصادر الحرارة، وشملت مشاعل الغاز النفطية ومصافي تكرير البترول. ولا شك في أن مثل هذه التحديات قد تزعزع ثقة المتابعين في وسائل الإعلام، والتي تآكلت على نحو مطرد خلال العقود الأخيرة.
وبالطبع، ليس من العجيب أن تستقطب كارثة طبيعية بحجم هذه الحرائق انتباه العالم، ولكن الأعجب هو الإغفال، بل والتغافل، عن قضية التغير المناخ في الوسط الإعلامي والصحافي في الأوقات الأخرى، تُرى لماذا؟
أحد التحديات التي تواجه القطاع الإعلامي أن المواضيع السريعة تجذب الجمهور مثل أخبار عالم الفن والجريمة والأعمال والسياسة، بعكس القضايا البيئية والتي عادة تتطور بصورة أبطأ وعلى فترات زمنية طويلة. كما أن المواد المطروحة قد تكون صعبة الفهم، نظراً إلى الجوانب المعقدة التي تنطوي عليها. ولهذا نلمس تزايد الاهتمام الإعلامي بالقضايا البيئية فقط حين يرتكز النقاش على القصص الإنسانية، مثلما حدث في أستراليا.
ويتمثّل التحدي الثاني في منهجية تناول أزمة التغير المناخي التي تغلبها عادة توقعات «اليأس وانقطاع الأمل»، ومثل هذه المحتويات الإعلامية والأخبار السلبية المتكررة باستمرار والتي تتسم بمحدودية رؤيتها، قد تثبط عزائم المجتمع الدولي وبالتالي تُخلّف حالة عامة من اليأس. وقد بدأت المجتمعات في طرح أسئلة حول مدى فاعلية الأنماط والخطوات التي قد يتخذها فرد واحد وما سيحققه من أثر إيجابي جراء ذلك. ومن هنا تبرز أهمية دور وسائل الإعلام في خلق حالة من التوازن بين مناقشة التحديات وشرح الحلول، وهناك العديد من القصص الإيجابية التي يتصدرها أبطال من الأفراد والمجتمعات والشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم، الذين استطاعوا مواجهة مثل هذه التحديات بروح جريئة، ومسؤوليتنا نشر هذه القصص الملهمة لبث أجواء مفعمة بالتفاؤل والأمل.
وعلى جانب آخر، يجب أن يكون المحتوى الإعلامي سديداً وصائباً في أسلوب طرحه، فأزمة التغير المناخي ليست بعيدة عنّا، فهي تحيطنا من كل حدب وصوب، كما أن اللغة بحاجة إلى تبسيط لكي تهضمها عقول الجمهور المتابع ويدركها، وإليكم مثلاً مصطلح «الاحتباس الحراري» الذي يسلّط الضوء بشكل أكبر على أزمة «التغير المناخي».
ولا ننكر أن هذه التحديات بدأت تحظى باهتمام متزايد من جانب الإعلام، وأبرز مثال هو تعاون صحيفة الغارديان عام 2019 مع مجلة كولومبيا جورناليزم ريفيو وذا نيشن لإطلاق مبادرة «تغطية التغير المناخي: ممارسات وتوصيات جديدة لعالم يواجه احتباساً حرارياً بمقدار 1.5 درجة مئوية»، والتي تهدف إلى تحسين التغطية الإعلامية لظاهرة التغير المناخي. كما شهدنا منذ بداية العام 2020 تأكيد وسائل إعلام أخرى، مثل «الفايننشال تايمز» و«بلومبيرغ»، بوضع التغير المناخي في أعلى أجندتها الإخبارية.
هذه البداية، ولكن على المؤسسات الإعلامية الأخرى أن تلحق الركب من خلال الاستثمار في تطوير خبراتها البيئية، وعلى الخبراء الذين يتصدرون المشهد في معالجة أزمة التغيّر المناخي أن يساعدوا وسائل الإعلام في فهم أبعاد هذه القضية البيئية وتكريس جزء من وقتهم لإزاحة أي غموض حول الحقائق العلمية أو السياسية. وخير مثال على ذلك، هو ما تقوم به «الأمانة الوطنية المعنية بالتغير المناخي» في سنغافورة والتي تستضيف جلسات على نحو منتظم لإطلاع الصحفيين على أبرز المستجدات والتطورات المناخية.
مهمة محاربة الاحتباس الحراري لن تكون سهلة، ولا يجب التقليل من حجم التحديات الماثلة أمامنا، ولكن علينا جميعاً أن ندرك المخاطر المحدقة بسبب التغير المناخي، وعدم الاستهانة بهذه الأزمة البيئية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©